في الشام لنا مشاعر تجاهد

الكاتبة: ديما الشافي

من باب الشفافية والمكاشفة يا سادتي لزم أن آخذ بأيديكم من أول الطريق فأظهركم على أمرٍ خفي وأن أصدقكم به قولا: أني كنت امتنع بقناعة تامة عن الكتابة في شأن سوريا فقد كنت أرى أن فعل الكتابة وحده في القضايا الكبرى ليس إلا ضآلة وامتهان وقلة حيلة ، ولكني آمنت مؤخراً بأن لا شئ خلف العزوف عنه سوى البوار والعدم فقضيتنا كبرى وأمرنا جللُ وأيدينا صفر لا تحمل سوى القلمُ. ولقد كان أيضاً من شأن الشعور بالخزي والخذلان الذي اكتسحني طوعاً أن صدني عن الكتابة بغيرها ومنعني مرغمةً عن تقديم السرد في مشاكلنا ودراستنا أو حتى انتقاد مجتمعنا عنها . كيف لا يكون وقد أصبح لنا أهليّة هناك يقطعون كما تقطع البهائم والشياه وتمزق أجسادهم كما تمزق الأردية والجُبب والثياب . فإني والله لأسقط –لو كتبت- في غمرة الخيانة والأنانية لأكون كصاحب الحلوى ، يخبئها والناس حوله جياع يبحثون عن كسرة خبز وشربة ماء ليسدوا بها الرمق والظمأ.

ولكن إياكم أن تقولوا (ما القلمُ ؟ وما هو بفاعل من أجلنا ؟؟)  وكيف يغيب عنكم ما كان القلم عند الأمم! إذ كان لهم كالقوة يُقيّمون به المعقوف ويجبرون بمعيته المكسور , وقد جعلوه في الحق محراباَ ومنبرا، ومن أجل الباطل مقصلةٌ وسيفا. ألم تسمعوا ما قال عنه أحمد مطر لطبيبه في مأثورته الشهيرة: (هذا يد، وفم .. رصاصة ، ودم وتهمة سافرة تمشي بلا قدم). إذاً فلقد انتهى زمن الصمت فلنوحد الصوت والصدى مرددين بذلك النشيد الذي كنا نصيح به صغاراً: أناديكم وأشد على أياديكم وأبوس الأرض تحت نعالكم وأقول أفديكم وأهديكم ضياء عيني، ودفء القلب أعطيكم، فمأساتي التي أحيا نصيبي من مآسيكم..

فلنمتشق يا أخوتي الأقلام ولتجود محابرنا بالكلام ، ولا تجعلوا أوراقنا تشكو من الفراغ بعد الآن، بل اتركوها تفيض نزفاً بأحرف للنصر والمؤازرة . نعم نعم نحن معكم نألم لألمكم ونشعر بكم لا تيأسوا ولا تقنطوا فلكم أبناء عمومة يضمون صوتهم لصوتكم ويبذلون من بذلكم و و … ومهلاً أي ابتذال هذا الذي نمارس!!

ما القلم بفاعل أمام أشلاء طفل صغير يضمه الكفنُ وأمام صرخة أمٍ أنهكها الفقدُ، وأمام سبابة شيخ كبير باتت تُشهد خالقها بأنها لم تدخر حتى النفسِ عن البذلُ.. تباً إذاً لقلم لا يرد الألمُ والخزي لمحبرة لا ترفع الجور عن أخوتنا ولاتوقف داهيةٍ عن ضيمه أبداً..

(مثلُ المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) هذا قول سيدي وخليلي محمد صلى الله عليه وسلم فينا ، إذ لا مناص لنا لأن نتملص منه فهو يشير إلينا بالبنان ويُطبق علينا عنوةً دون استئذان فنحن (بلا ريب من القول) هذا الجسد الكهل وقد أصاب العضو منا –الشام- الداء العياء فهل يا ترى قد نفضتنا معه الحمى؟! أم هل اقتسمنا معهم المُصاب سقماً وكللا ؟! أم هل لازمناهم كما الواجب سهراً و وَصبا؟! لا ورب البيت لم نفعل.

أخوتي هناك أكتوي بأسئلة تتوق للبوح بشدة، فهل أجد فيكم أي مجيب!

هل يا أخوتي أضناكم المرض والجوع و العطش؟ هل أخافتكم الظلمة ، أأجزعكم تقلبكم بين القيظ والصقيع؟! أم أن الأجدر بكم أنكم قد نسيتم هذه الأحاسيس الوضيعة بعد أن تنشقتم رائحة الموت والإبادة… لا تقلقوا يا بواسل فلقد كتبت اليوم بكم مقالاً والبارحة غيرت صورتي الشخصية من أجلكم وأما قبل ليلتين فإني لم أنسخ جملة ولا اثنتين ولا حتى ثلاث وإنما هن عشر جمل وألصقتها في (هاشتاق) قائم لنصرتكم أشعرتم بي ؟! أدفعت عنكم ما تخشون؟! ألم تصلكم أفعالي أم ماذا!

تالله إني لأخجل من نفسي أمامكم وما أخشى إلا أن يأتي اليوم الذي ترددون به قصيدة أمل دنقل ذائعة الصيت: لا تصالح .. لا تصالح ولو منحوك الذهب.. ولكن ليس للعدو وإنما لنا نحن باقي الجسد الذي تلطخ بوحل التخاذل وجرفته أهواءه ورغباته للتعامي عنكم..

نعم لا يخفى عنكم بأني أحدثكم من فوق فراشي الوثير ومن أمام مائدة إفطاري الثرية ومن مسجدي الذي تصدح الأصوات من مئذنته نحو الأفق ولكن تأكدوا أن لكم في الحنايا لصوت نشيج لا يتوقف ولا ينقطع .. كثيراً ما أرجو الرياح المارة به أن تحمل بعضاً من صداه نحو الشمال فربما قد تسمعون شيئاً منه فتعلمون أن دعاءنا لكم كالنهر الغزير الجاري والذي وإن قل ماؤه فإنه لا ينضب أبداً ومن شأنه أن جافا بيننا وبين المضاجع ونهرنا عن سلوة العيش بدونكم ..

اللهم اكتب لهم نصراً مؤزراً وأنزل علينا عفوك ومغفرتك وتجاوز عن تقصيرنا فإنك بنا عليم بصير..

مقالات ذات صلة

‫8 تعليقات

  1. اللهم كن معهم .. انصرهم وارحم ضعفهم يارب
    ياااارب نسألك فرجاً قريباً ونصرا عاجلا
    الله يعطيك العافيه ديما
    مبدعه متألقه كعادتك .. لا عدمنا نبض حروفك الصادقه

  2. باركك الله وبارك قلمك الفريد ،،
    سنظل نبتهل بالدعوات متيقنين بنصر الله العاجل القريب

  3. “… إياكم أن تقولوا (ما القلمُ ؟ وما هو بفاعل من أجلنا ؟؟)  وكيف يغيب عنكم ما كان القلم عند الأمم! إذ كان لهم كالقوة يُقيّمون به المعقوف ويجبرون بمعيته المكسور , وقد جعلوه في الحق محراباَ ومنبرا، ومن أجل الباطل مقصلةٌ وسيفا.”
    ابدعتي عزيزتي ديمة

  4. هيفاء-Zen-هاله….آمييين ياارب ، اللهم استجب و ارفع عنهم عاجلاَ غير آجل..
    شكررررررراً لكم 🙂

  5. بارك الله في جهودك وفي قلمك ، لقد ساهمتي في اسعاد أكثر من 200 طفل وطفلة من الأيتام ،وأكثر من 400عائلة سورية في المفرق على الحدود السورية الاردنية ، اسأل الله ان يتقبل عملك الصالح ،وينير بكلماتك التي كتبتيها بقلمك الرائع .
    ياليت يادكتورة ديما القى ناس قول وفعل ،وتكون وحدة من همومهم كيف يساعدوا المحتاجين والمعوزين المسلمين ، أكيد موجودين بس ماهم ملاقين الطريق ،اللي اتمناه منك انك تكوني منارة علم وسباقة للخير وتعلمي الجيل اللي بعدكم .
    كده الأمم ترتقي على ايدي ابنائها وبناتها المخلصين .

  6. شكراً جزيلاً معلمي الفاضل ..د.عبدالحفيظ..االهم اجعل أعمالنا خالصة لوجهك الكريم وتقبل منا وعجل بالفرج على المسلمين أجمعين،،
    نحن نسير على خطاك ونقتدي بك وبعلمك وسنوصله أمانة بإذن الله إلى من بعدنا..
    أسعدني تواجدك هنا ، وشكراً لوقتك التي بذلته في قراءة ما كتبت ولتعليقك الذي كان له وقعه الخاص في نفسي..
    جزاك الله عني وعن كل أبناءك (طلاب العلم) خير الجزاء 🙂

  7. قيمتكم الحقيقية في الحياة هي ماتقدمونه لخدمة دينكم ووطنكم من لحظة ميلادكم الى وفاتكم ،الانسان ليس بعمره بل بانجازاته .
    يرافووووو عليك دكتورة ديما ،الى الأمام دوما .
    🙂

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى