أنا ضد … إذا أنا موجود !!

الكاتب: حسام الحربي

حدثني صديقي عن قصة امتلاكه لإول الجوال . حيث سأل والده البائع عن المميزات في الجوال الذي اختاره الابن فاجابه قائلًا : جوال من أحدث الطرازات ويحمل كاميرا ويمكنه التصوير بدقة جيدة . فقاطعه والدي صارخًا بوجهي : أنت ما تستحي أنت ؟! تبي تدخل جوال كاميرا لبيتنا ؟! ما تخاف أنت على أمك وخواتك ؟! فحاولت جاهدًا أن أمتص غضب والدي وأن أخفف من حدة النقاش كي يتسنّ لي التحاور معه ولكن لا حياة لمن تنادي ، وكان جوال العنيد من نصيبي.

والد صديقي -حفظه الله- هو فرد من أفراد مجتمعي المحافظ الذي يخاف من أي دخيل على المجتمع ويربط ذلك الدخيل بدعاة التحرر والغزو الفكري. يخاف ومن حقه الخوف ولكن بشرط ألا تتعدى مرحلة الخوف هذه إلى هلع وجزع وأن تُربط بدنو آخر الزمان. مجتمعي رفض التلفاز والمذياع من ذي قبل ، رفض الأول بحجة أن الرجال الذين في الشاشات سينتهكون عورات بيوتهم حتى أن نساءً كانت تتابع التلفاز في ذلك الوقت بخمارهنّ ؛ و رُفض الثاني بقولهم أن الجن هم من يحدثون تلك الأصوات .

واستمر مجتمعي في الرفض حتى أنهم كفّروا من أدخل الأطباق الفضائية “الدش”  لمنازلهم وقام البعض بتفصيل كالغرفة أو حوائط حوله كي لا يشاهده أحد جيرانه فينظر له نظرة ازدراء لفعلته الشنيعة ؛ وبعد ذلك أكتشف من كان يكفّر من أقتناه أن التكفير والتهديد والوعيد لا يكفي بل لا يحل المشكلة . فقاموا مشكورين بتقويم تلك القنوات بل واستحداث قنوات علمية ثقافية اجتماعية هادفة يستطيع جميع أفراد الأسرة أن يتابعها دون حرج ، بل أن بعضًا ممن كان يكفر تلك القنوات أصبح يخرج عليها ليلقي الدروس وفي برامج الإفتاء والسِيَر.

مجتمعي رفض جوال الكاميرا وتقنية البلوتوث ، بل و وصلت ببعض رجال الحسبة مأجورين على اجتهادهم أن يحملوا معهم “مفك وشاكوش” ليكسر تلك الكاميرا وذلك تطبيقًا للقوانين ومن باب تغيير المنكر باليد ؛ فاكتشفوا لاحقًا أن هذا ليس الحل ، بل قاموا بوضع مكاتب أو طاولات متنقلة يقوم عليها رجال ثقات بأخذ ذاكرة الجوال وازالة ما بها من خالفات شرعية واستبدالها بأناشيد ومقاطع ڤيديو منوعة منها الفكاهي والعلمي والديني، وهنا كان تغيير المنكر باليد بطريقة حضارية !

مجتمعي رفض نظام “ساهر” الذي يضبط المخالفات المرورية من سرعة زائدة أو قطع إشارات ، فقام بعض المراهقين المتهورين بالاحتجاج عليها ووصلت الإحتجاجات بهم لحرق بعض الكاميرات أو تعمد صدمها أو رشها ببخاخات تمنعها عن عملها. وفي أقل من عام واحد اختلفت ثقافة قيادة السيارات في عاصمة بلادي وأصبحت فعلًا أشعر أني أقود سيارتي في مدينة حضارية لا مدينة ملاهي أو في مضمار سباقٍ للسيارات . لاسيما أن الأرقام والإحصائيات تثبت انخفاض معدل الحوادث في عاصمتي الحبيبة.

وامتدادًا لجيل الآباء والأجداد ذاك ، خرج جيل يهوى رفض كل جديد بل ويستبسل في المعارضة رابطًا أي جديد بالليبرالية والعلمانية والجامية ووو.

نبضة … قبل أن ترفض فقط لأجل الرفض أو لأي سبب كان ؛ حاول أن توجد الحل أو البديل . لأن الرفض وحده فقط لن يُجدِ نفعًا ولك في قصص سَلفك درساً .،

مقالات ذات صلة

‫6 تعليقات

  1. حتى انت حدثني صديق الله يعينك بكرة بيهشتقونك #حدثني_صديق
    الرفض لمجرد الرفض من سمات مجتمعي والعجيب انها تشبه حاله اللاعبين عندما يتجمهرون حول الحكم بعد ان اقر ضربة الجزاء
    شكرا حسام واتمنى الفكرة للمقال القادم تكون احدث

  2. مشكور صديقي حسام
    والحرص والتدقيق ومعرفة العواقب ثقافة تنقص الكثير
    الا ترى ان العالم اذا افتى في امور الدين ويخالفه المنتسبين للعلم يتضح بعد ذلك صحة كلام العالم وبطلان كلامهم
    لانه يعرف ما تؤول اليه الامور بإذن الله وذلك بالأدلة
    وما قضية الجزائر عنا ببعيد
    فمعرفة ما تؤول اليه الامور بإذن الله شيء مهم
    اكرر شكري لك
    حسين الحسين

  3. :
    صدقت
    الحرص الزائد عن الحد المعروف
    لا يولد الا العكس
    و كثيراً من الامور مما ذكرت و مما لم تذكر و صادفناه في حياتنا
    نرى رفض و مقاطعه عنيفه في البدايه
    و شيئاً ف شيئاً يبدأ الامر بالتفشي حتى يصبح ضرورة من ضرورات الحياه
    ابدعت ، لك جزيل الشكر ..

  4. يعيش مجتمعنا مجموعة من التناقضات أدت إلى ظهور الكثير من المفارقات، فما يحلله الدين تحرمه خصوصية المجتمع، فأصبح مجتمعنا حائرا بين الخصوصية والدين، هذا الدين الذي يعتنقه أكثر من مليار مسلم في بقاع الأرض يسايرون التطور والتقدم ويتعايشون مع متطلبات العصر دون أن تهتز عقيدتهم.
    أما نحن فإننا نحارب كل جديد ونعتقد انه صنع لإغوائنا ثم في نهاية الأمر نرضخ له رغم أنوفنا ونعتبره جزءا من حياتنا لا يمكن الاستغناء عنه ومن أمثلة ذلك التلفاز الذي حورب بقوة ثم أصبح في كل منزل وهناك الهاتف والانترنت وغيرها …..
    حسام.’’’’’
    سليمت اناملك على المقال الاكثر من رائع ’’’

  5. أبو نجمة ..
    أما لو يصير عندي نفس عدد الفولورز الي عند العريفي
    كان مابي بلا أبدًا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى