رسالة الى مستجد

الكاتب : نايف العتيبي

في البداية تهنئة واسعة تحمل ابتسامة أمك, وغبطة أبيك وفرحتهما بتخرّجك وتخطّيك عتبة الثانوية الى طيرانك الى مرحلة التعليم العالي, بعد أن نهلتَ من وزارة التربية والتعليم ” مَالله به عليم ” وأغلب الظن ينحاز الى الخير, فقبولك على مستوى الكليّات الصحيّة يكفل جهداً خفياً تراكمياً ( اجتهادك, تشجيع والديك, ومدرسة متميّزة ) وقبل ذلك كلّه توفيق الله تعالى, أحببت أن أكتب إليك خبرة ست سنوات قضيتها في كليّة الطب, خبرةً متواضعة بسيطة, خذ منها مايستفاد وألقِ بالباقي خلفَ عقلك, سأسرد هنا ثلاث مراحل ستمر بها بإذن الله, منذ قبولك الى تخرّجك طبيباً مجتهداً متفوقاً, مع تسليط الضوء على أهم الركائز التي ينبغي الإهتمام بها وكبداية لكل حديث, الإعتماد على الله أولاً, ومن ثم دعاء والديك, وبعد ذلك اجتهادك الحثيث, سيوفّر لك عجباً من النجاح والإستقرار الدراسي .

المرحلة الأولى ( القبول وهيلمانه )  :

أضفت هذه المرحلة لإستحداثها حيثٌ أنها لم تكن موجودة من قبل, فكان القبول بالكليّات الصحيّة مباشراً وبالتخصص الذي ترغبه حسب نسبتك المكافئة ( ثانوية, قدرات, وتحصيلي ) وتم الآن في بعض كليّات الطب, قبول مبدأي سواء على صعيد علمي ( مسار علمي ) أو صعيد طبّي بحت ( مسار صحّي ) دون تحديد المجّال ( طب , صيدلة , مختبرات , تغذية … الخ ) اذا قُبلت بإذن الله في هذه السنة والتي سأطلق عليها ” ماجستير ثانوي ” حيث أنني علمت أن نسبة الثانوية لها نصيب كبير بعد نهاية هذه السنة, هنا ينبغي عليك أن تحدد مجالك الذي تريد القبول به, ,تدخل سنة كاملة تدرس فيها عدد من المواد العلمية المتعددة, وطبقاً لمعدّلك ونسبة الثانوية .

 في هذه السنة ينبغي عليك أن تكون جاداً جداً, لم يحدد لك مصيرك الدراسي للآن فلذلك لا تأخذك عزّة ” الطالب الجامعي ” وتبدأ بتجاهل حلمك الأساسي الذي قدمت من أجله, مناخ الجامعة في بداية دراستك مختلف جداً عن سابقه في التعليم العام, فأنت الى حدٍ مّا حرّ نفسك, تستطيع ” البزوطة ” كما تريد, ولا يوجد رقيبٌ يتصّل على والديك أوّل الصباح ليخبرهم أن ابنهم متغيّب عن المحاضرة, المسؤولية تقع الآن على عاتقك في سكّ أولى لبنات طريقك الى حلمك كطبيب, السيارة الجديدة ستبلّى ( لا تزهقها على روحك, بطيش ), أعترف أن طقس الجامعة كمستجد ممتع جداً ويدفع على الطيران, فأنت الآن تجد أن أبواباً عديدة تتفتّح أمامك بعد أن كانت مغلقةً قرابة الإثنا عشرَ عاماً, لذلك تحتاج الى رباطة جأش وصبر لكي لا تقع في فخ الجامعة المزيّن ببهرجة فانيَة, تمتّع بمكيال موزون بلا تطفيف تندم عليه لاحقاً فالقبول يزداد وفرصتك تتضائل شيئاً فشيئاً .

المرحلة الثانية  ( العلوم التأسيسية )  :

بعد أن منّ الله عليك وقبلت كطالب طب وجراحة تدخل الآن مرحلة العلوم الأساسية التي اشتميت منها قليلاً خلال السنة التحضيرية, في مسارك ” العلمي أو الصحّي ” هذه المرحلة هيَ التي ينساها طالب الطب بعد أن يتخرّج ومن يمتلكها بعناية ستكون لهُ الغلبة مستقبلاً في تخصصات ومجالات عديدة جديدة, العلوم التأسيسية أكاديمية بحتة لن يكون هناك خروج الى المستشفيات وخلافه الّا اذا استجدّ قرارٌ بذلك, تعتمد هذه العلوم على تلقينها بالطالب بالملعقة في محاضرات قد تبدو ممتعة أو مملة بحسب شخصية المحاضر, أو بحسب كيفية السخرية منه, أو بأنظمة مختلفة ( كأنظمة للجسم تدرسها كاملة, وتناقش بينكم كطلبة, والكادر التعليمي ), كلٌ حسب مايراه مناسباً لطلبته ومستقبلهم, لذلك حاول أن تتكيّف مع هذه العلوم بأخذ أهمها ودراسته والإهتمام به كما ينبغي لأنها طريقك مستقبلاً الى العلوم السريرية, فعبدّه جيداً أو ستجده لاحقاً مليئاً بـ ” المطبّات ” التي لا تستطيع بلديّة عقلك حينها سوى افتعال الحفريات المضرة .

خلال هذه السنوات وسّع مدارك فكرك, وحاول في نهايتها إن كنت تريد الإبتعاث للخارج وأخص بالذكر ( الولايات المتحدّة الأمريكية ) أن تقوم بإختبار الـ ( USMLE ) , اختبار الرخصة الطبية لمزاولتها هناك, وعلى الأقل أن تكون منتهياً من الجزء الأول المتعلق بالعلوم التأسيسية, ممّا يوفر لكَ لاحقاً الوقت الكافي وعمل بقيّة الإختبارات, المتعلقة بالسنوات السريرية في وقتها, ولا تنسَ أن معدلّك يكون تراكمياً فاجتهادك ابتدائاً يريّح خفقاتك لا قدّر الله انتهاءً .

المرحلة الثالثة ( السنوات السريرية )  :

هَنا يحق لك أن تفخر بإقتناء ربطة عنق, سمّاعة, وبالطو الطبيب الأبيض, ففي هذه السنوات تجد في نفسك فرحة لا تخالجها فرحة, عندما تبدأ بالذهاب في مختلف المواد الى المستشفيات وتطبّق ماتعلمته, عملياً بعد أن استهلكت على مقاعد الدراسة, ستجد المتعة والمرح, والتعجّب من حالات عديدة تمر عليك, من طاقم الأطباء, والمستشفى بشكل عام, السنوات السريرية تعتمد في موادها المهمة على أدائك العملي اتجاه المريض, وأخذ تاريخه المرضي, وفحصه, مع نبذة جيّده بكيفية التعامل مع مرضه وعلاجه, هنا حاول أن تستسقي خبرات زملائك الأكبر سناً في نصائحهم وماواجهوه خلال دراستهم لنفس موادكم, بالإضافة لأخذ مسوداتهم ومايتذكرون من أسئلة نظرية أو عملية تمت مواجهتها خلال إختباراتهم, فأنت هكذا تأخذ ملخص المواد بجيبك وتبدأ بتوجيه خططك حول كيفية دراستك للمادة المُناط بها بكل واقية وإجتهاد, مظهرك المرتّب والتزامك في حضورك للمستشفى بالإضافة الى عملك, مركب متجانس يثير الإعجاب ويضع صورتك واضحة أمام أطبائك, وبالتالي تكون معرفتهم لك, فرصة إيجابية في تعاملهم معك على النحو السليم في الإختبارات العملية .

إظهار نفسك بمنافسة شريفة أمرٌ لا مناط منه, أقرأ عن الأمراض وكيفية تشخيصها, حاول تحضير الحالات في البيت قبلاً لكي تبهر من حولك, فقط لأنك استعدّيت جيّداً, ستفرح كثيراً عندما تجد أسارير المريض تنفرج أمامك لأنك استطعتَ وبكل ثقة أن تخبره عن مايعانيه وتطمّن تساؤلاته على نحو علمي صحيح, اكتشف نفسك خلال هذه السنوات, وماذا تريد أن تصبح في المستقبل القريب, تأكد من ميولك الطبيّة حتى لا ينتابك عند نهاية الطريق شعور أنك تقف عند مفرق لا تعلم أين نهايته ؟! , وكل ذلك لأنك لم تبذل جهداً اضافياً بسيطاً في اكتشاف اهتمامتك المهنية خلال سنوات دراستك السريرية, استفد من كل الطاقم بالمستشفيات التي عملت فيها, علاقات دراستك, واسطة مهنتك مستقبلاً, كن كما أنت مرحاً بشوشاً, نافعاً غير ضار, آمناً غير متعدّي, واصنع لنفسك سمعةً تُعرف بها, سبّاقاً كريماً الى كل عمل مسؤول, تثبت فيه جدارتك وتميّزك, عمّن سواك, آخر القول أنك سترّف عينك وتجدك بمشيئة الله أكملت هذه السنين دون أن تنتبه وتحمل لنفسك ذكرى لا تنقضي, كتبت ما كتبت بغية نصحٍ وإرشاد, فإن أصبتُ فمن الله, وإن أخطأت فمني والشيطان, والله ولي توفيقكم والقادر عليه .

مقالات ذات صلة

‫4 تعليقات

  1. ابدعت دكتورنا في سرد التفاصيل المهمه لحياتنا الدراسيه ..طرحك جدا مميز انتهى المقال ولم ينتهي جمال ماقرأت ..دمت بكل ود “”

  2. /
    حلـم
    أسعـدك ربّي، أفخر بكلماتك
    شكراً جزيلاً ، وفقـك البَاري = )

  3. جزيت خيراً د.نايف ..
    جميل جداً أن توضح معالم الطريق لرواد هذا التخصص ..
    ويبدو أننا ملزمون بذلك لرواد أحياء ..
    وفقت للخير .. ^_^

  4. رسالة مشوقه ورائعه … آحسنت عندما امسكت القلم وخطيت كلمات ذا معنى مهم لنا . ابدعت ووفقك الله لما يحبه ويرضاه والله يسهل طريقك .. رسالتك واضحه وغايه في الروعه .. مشكوووووووووووور مشكووووووووووووووور مشكوووووووووووووور

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى