زراعة الكلى بالخارج حقائق تخفى على البعض!!

د.احمد نظمي - طبيب باطنة وزراعة كلى

مجلة نبض – أشجان المسعودي:
عندما يتطور مرض قصور الكلى الى حالات متقدمة، يتعين على المريض اللجوء الى بدائل الكلى. وهي الغسيل البريتوني او الغسيل الدموي ( التنقية الدموية) او زراعة الكلى. في وقتنا الحاضر لجأ الكثير من المرضى الى زراعة الكلى بالخارج و تغيبت عنهم الكثير من الحقائق وكل ما كانوا يحلمون به حياه افضل فماذا كانت النتيجة؟!. مقال للدكتور أحمد نظمي طبيب باطنية مختص بأمراض الكلى و زراعتها

زراعة الكلى تضمن نوعية حياة افضل للمريض، كما أنها تقلل مشاكل و مضاعفات التنقية الدموية من وهن وتعب بعد الغسيل. وتقلل أيضاً احتمالية الذبحة الصدرية و السكتة الدماغية المستقبلية المحتملة. تعطي راحة أكبر في الحمية الغذائية. تريح المريض من الارتباط بمركز الغسيل وتمكنه من ممارسة حياة افضل و أكثر راحة بما في ذلك السفر. و غيرها من الفوائد الكثير.

وحتى يتسنى للمريض التمتع بكل مميزات زراعة الكلى، يجب أن تتم الزراعة بعد التأكد من سلامة المتبرع و عدم خطورة التبرع على صحته الجسدية و النفسية في المستقبل و عدم وجود ضغوط عليه. فالتبرع يعامل معاملة الهدية. وهذا ينتفي مع وجود الضغوط.

كما يجب التأكد من سلامة المريض وجاهزيته لإستقبال الكلية من الناحية الصحية وتحمله للعملية مع ضمان استمراريتها. يتضمن ذلك فحص للقلب و الشرايين التاجية. كما يستلزم ذلك أيضاً التأكد من سلامة الأوعية الدموية التي تزود الكلية المزروعة بالتروية الدموية لبعض المرضى. و فحوصات تتعلق بتطابق زمر الدم و الأنسجة.

كل ذلك يتطلب الوقت و الجهد الكبير. ومع ازدحام المرضى والعيادات و اقسام الاشعة و المختبرات، وتقدم حالة المريض ومعاناته مع المرض او الغسيل، يندفع البعض الى اتخاذ طرق مختصرة للتعجيل بعملية الزراعة و من ثم الزراعة في الخارج لإختصار الوقت، حتى لو تكبد تكاليف مادية كبيرة.

ما سأكتبه هنا هو عن الزراعة بمقابل مادي (وهو ما يحدث في الغالب للاسف) و ليس الزراعة تحت القوانين و الأنظمة.

بعد عام ٢٠٠٧م ، أصبحت زراعة الكلى بمقابل مادي محظورة دوليا بعد صدور قرارات منظمة الصحة الدولية و تقارير منظمة حقوق الانسان، و اصبحت ايضا جريمة يعاقب عليها القانون كلا من المتبرع و المريض و الطاقم الطبي. بسبب الحاجة الملحة و شح المتبرعين. ظهرت منظمات او بالأحرى عصابات وسماسرة للتجارة بأعضاء البشر مقابل مبالغ مالية. مهمتها التنسيق مع طاقم طبي تم شراء ذممهم للقيام بالعملية ( بأي شكل كان) من جهة، و التواصل مع المرضى من جهة أخرى. وفي بعض الأحيان التعاون مع بعض أفراد الشرطة المحليين او حتى البلطجيين لتسهيل عملهم في الخفاء.

قد يظن البعض أن ما يدفعه المريض المحتاج للزراعة من مبالغ مادية تذهب مباشرة للمتبرع، وهذا للأسف غير صحيح. معظم ما يُدفع، يذهب للأشخاص السابق ذكرهم وما يصل للمتبرع هو الفتات (٢٠٠-١٠٠٠ دولار حسب التقارير و الإحصاءات) وبالتالي فإن المريض لا يقوم حقيقة بمساعدة المتبرع حسبما يظن و تحسين وضعه المادي او الاجتماعي. في بعض الأحيان يتبرع الشخص فقط ليسد دينا عليه او يفدي زوجته او ابنته من العبودية. وهو في الحقيقة يزيد من نفوذ و سلطة هذه العصابات. ولا يخدم المتبرع.

بعض المتبرعين للأسف هم من سقطوا في وحل الرذيلة او المخدرات، وبالتالي فهم في الغالب حاملوا أمراض خطيرة، كفيروس نقص المناعة المكتسب (إيدز) او التهاب الكبد الوبائي باء او جيم. وهذه الأمراض يتم اكتشافها بالتحاليل المخبرية وغيرها، لكن لتخفيض الكلفة النهائية على الطاقم الطبي و زيادة المكسب المادي، لا يتم الفحص عنها في المتبرع. مما يزيد خطورة انتقالها للمريض المستقبل للكلية.

غرف العمليات التي تتم فيها الزراعة هي غير مجهزة، وتكون في بعض الأحيان في شقق تم استئجارها لهذا الغرض، ومتى ما تم اكتشافها من السلطات المحلية، يتم التخلي عنها. ذهبت بعض الفرق الطبية المحلية و الخليجية لمعاينة بعضها، ووجدت في أسوء صورة. حشرات و فئران تجوب المكان وفي احسن الأحوال نظيفة لكن ينقصها الكثير.

بعض الفرق الطبية تقوم بالزراعة بالرغم من وجود أجسام مضادة او عدم تطابق في الأنسجة بدرجة كبيرة مع عدم توفير العلاجات المناسبة للحالة. وهذا يزيد خطورة رفض الكلية المزروعة و تصعيب عملية زراعة لاحقة في المستقبل أن احتاج المريض إليها.

قد يعتقد البعض اني أبالغ في تصوير الواقع و أن ما يحدث هو خلاف ما ذكرت. لكن بالرغم من حياتي المهنية (التي تعتبر قصيرة في عالم الطب) قد وقفت على حالات لمرضى أصيبوا بفشل كبدي حاد من فيروس الكبد الوبائي تم انتقاله الى المريض عبر الكلية المزروعة. و آخر أصيب بنقص المناعة المكتسب. البعض حضر الى بلده بكلية لا تعمل او بتجلط في الأوعية الدموية للكلية. وقفت على الكثير ممن لديهم رفض شديد للكلية بعد الزراعة بعضهم نجحنا في علاجه و البعض للأسف لم ننجح و لم نستطع الزراعة لهم مرة أخرى. البعض عانى من التهابات و إنتانات بالدم او التهابات فطرية بالدم او الدماغ. الكثير يعاني من التهابات بالبول.

قد يقول البعض (غير مصدق) انه يعرف شخصا قام بالزراعة في الخارج ولم يحدث له مكره إطلاقا و هو او هي في احسن حال. و أقول أن كلامه صحيح. تابعت العناية ببعضهم و وقفت على علاجهم. في الغالب هم أقلية قليلة لا نستطيع التعميم عليها مع كثرة ما شاهدت خلاف ذلك. او انهم قاموا بالزراعة قبل عام ٢٠٠٧ م حينما كانت غير محظورة.

بعض المستشفيات تقوم بتزويد المريض بتقرير طبي مختصر لا يوفر معلومات قيمة تساعد في رعاية المريض في المستقبل. وحتى تعفى من المسائلة القانونية، تذكر أن المريض خرج (تحت رغبته) ليلا وعاد الى المستشفى بكلية مزروعة لا نعلم عنها شيئا. أما الأكثرية فلا يحصلون على تقرير طبي.

معظم العلاجات المانعة لرفض الكلية المستخدمة هناك هي قديمة الطراز (النوعية) ولكن حديثة الصنع لكنها اقل ثمنا و اقل فعالية.

حسب آخر تقرير رسمي لجمعية زراعة الأعضاء (السعودية) يوجد في المملكة ١٧ مركزا متخصصا لزراعة الكلى. مجهزة للقيام بأغلب العمليات و العلاجات اللازمة وغيرها للعناية بمرضى الزراعة. هذه المراكز موزعة حول المملكة وتقدم خدماتها بالمجان للمواطنين دون الحاجة الى الواسطة او الشفاعة و تحظى بدعم كبير من وزارة الصحة. كما يمكن اللجوء لمراكز الزراعة المركزية في المدن الرئيسة للحالات الصعبة او المعقدة.

بعد معرفة ذلك، وفي الأوضاع الحالية، لا انصح المرضى بالزراعة في الخارج بمقابل مادي. ارجوا ملاحظة أن ما ذكرته هو الغالب ولا ينطبق على جميع الحالات او التفاصيل. وهذا هو رأيي الشخصي، قد يختلف معي البعض، لكن جميعنا نلتقي في رغبتنا في تقديم الأفضل للمريض وخدمته، وقد تختلف او تتغير طريقة كل منا في ذلك.

اسأل الله لكم الشفاء و دوام الصحة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى