د.الأنصاري:أمشي ليتحسن مزاجك

walking

مجلة نبض – أشجان المسعودي
هل للمشي دور في تحسين المزاج ؟ وان كان كذلك فما العلاقة بينهما ؟ مقال للدكتور صالح الأنصاري أستاذ مساعد بطب الأسرة و المجتمع

أثناء المشي تفرز أجسامنا الهرمونات التي تساعدنا في التعامل مع القلق. وكل من يمارس الرياضة بانتظام يمكن أن يقول لك أن أعصابه تهدأ وتخف حالته العصبية بمجرد ممارسة الرياضة لبعض الوقت، وقد تبين وجود أسباب فسيولوجية لذلك.

سنتعرف معاً، كيف تستجيب أجسامنا للمشي بحيث يتحسن مزاجنا. ولماذا علينا أن نسعى لاكتساب هذه العادة التي لها مفعول السحر على المزاج.

يقول د/ بام لوبلان. وهو أستاذ الهندسة من جامعة تكساس، عندما أنقطع عن ممارسة السباحة لبضعة أيام، تلاحظ زوجتي أنني أُصبح صعب المراس، فتقول لي ‘اذهب للسباحة، فقد أصبحت غريب الأطوار”.

إن إفراز الهرمونات مثل هرمون نورإبينفرين الذي يفرز من الغدة الكظرية، ومن بعض الأطراف العصبية والمخ. هذه الهرمونات تساهم في زيادة قدرتنا على التعامل مع التوتر ،فعندما يحدث شيء يسبب التوتر (مثل سماع صوت عال غير متوقع في منتصف الليل) فإن الغدة النخامية تفرز هرمون نورإبينفرين الذي يصل إلى الغدة الكظرية عن طريق الدم في حوالي ثماني ثوان. وتقوم الغدة الكظرية أيضاً بإفراز الأدرينالين الذي يسبب حالة من التحفيز والاستنفار فيرتفع ضغط الدم، ويصبح السمع أكثر حدة، ويزداد تدفق الدم إلى القلب والمخ، ويقل تدفقه إلى الأطراف والمعدة.

ومنذ قرون كان رد الفعل هذا لا يحدث إلا قليلاً. أما في حياتنا الحديثة الضاغطة فيحدث بشكل أكثر تكراراً، مما يجعل هذه الضغوط مزمنة وتحتاج تعاملاً منتظماً لتهدئتها ليستمر مدى الحياة.

والدراسات التي نشرتها جمعية علم النفس الأمريكية تؤكد أن ممارسة الرياضة تحسن قدرة الجسم على التكيف مع الإجهاد. كما أن الناس الذين يمارسون المشي المنتظم معرضون بنسبة أقل للإصابة بالقلق والاكتئاب، فقد أوضح البحث الذي قدمه معهد جامعة فيكتوريا للرياضة في سيدني في مؤتمر “كن نشيطاً” للطب الرياضي بأستراليا، أن النساء الخاملات أكثر عرضة للاكتئاب بمقدار مرة ونصف أكثر من نظرائهن النشيطات. ويزيد خطر الإصابة بالاكتئاب بمقدار ثلاثة مرات لدى أولئك الذين لا يمارسون النشاط البدني ويجلسون لأكثر من سبع ساعات يومياً.

ويمكن لممارسة المشي المنتظم أن يساعدك. فهو يحفز إفراز هرمون النورابينفرين، الذي يعمل بمثابة طبقة عازلة تمنع إجهاد الدماغ، وتتحكم في مستويات الكورتيزول والأدرينالين اللذين يسببان التوتر، وتجعلهما تحت السيطرة.

ويمكن لكمية صغيرة من هرمون الكورتيزول والأدرينالين أن تكون مفيدة، حيث توفر الطاقة اللازمة للهرب بعيدا عن مصدر الخطر والتوتر. كما أنه يجعل لديكم حساسية أقل للشعور بالألم كما يعزز وظيفة الذاكرة. ولكن إن لم يعد جسمك إلى وضعه الطبيعي بعد ذلك، فيمكن أن تعاني من التوتر المزمن. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى الأرق ولضعف الأداء الإدراكي وارتفاع ضغط الدم، وغير ذلك من المشكلات.

وتفرز الغدة النخاميـة الموجودة في قاع الجمجمة مجموعة من الهرمونات تسمى الإندورفينات. وكلمة إندورفين كلمة مكونة من مقطعين مأخوذين من كلمتي Endoqenous وMorphineوتعني “الموروفين الطبيعي” وهي مركبات كيميائية تصل إلى 20 نوعاً, ولها آثار إيجابية كثيرة على نفسية الإنسان، فهي تزيد قدرة الجسم في التعامل مع الضغوط النفسية، خصوصاً خلال فترات الشدة والتوتر العصبي، وهي التي يعزي إليها ضعف الشعور بالألم والثبات أثناء الظروف الصعبة مثلا لحوادث والكوارث وأثناء القتال، كما أنها تحسن الذاكرة وتحافظ عليها من خلال أثرها الحيوي على خلايا المخ والأعصاب. ليس هذا وحسب بل إنها تخفف حتى الشعور بالألم.

والآثار المفيدة للأندورفينات هي ما يجعل الرياضيين المنتظمين في النشاط البدني بصفة يومية يدمنون النشاط البدني, وبالذات عندما ينتظمون على أدائه في توقيت متكرر. وبعض العلماء يعتبر الإندورفينات من أعظم هبات الله سبحانه وتعالى للإنسان.

أثناء المشي تتحسن الدورة الدموية في الدماغ, مما ينشط عمليات التفكير، كما تتحسن المقدرات الذهنية, كما ثبت أن المشي المنتظم يحسن الابتكار والخيال.

هذا جزء من الأسباب التي جعلت الأستاذة آن آلنسورث، منسقة لجنة التثقيف الصحي لصحة العقل والجسم في الجمعية الأمريكية لعلم النفس بتكساس، توصي بممارسة الرياضة لمعالجة الآثار النفسية للأحداث المجهدة مثل وفاة أحد الأحباء أو تداعيات الصدمات النفسية.

نُشِرَ في مجلة الطبيعة “ناتشر” (مارس 2001) دراسة أثبتت أن المنتظمين في المشي يؤدون بطريقة أفضل من غيرهم في الاختبارات العقلية. وفي تعليقهم على هذه النتائج ذكروا أن المشي المنتظم يحسن جريان الدورة الدموية ووصول الأكسجين للدماغ مما يزيد من درجة اليقظة والفعالية الذهنية أثناء المشي. ووجد أن المناطق الأمامية من الدماغ (الناصية) على وجه الخصوص, والمسئولة عن التفكير المنطقي والتخطيط والتذكر تتأثر إيجاباً بالانتظام في المشي.

ومن الأخبـار السـارة، أنك لن تحتـاج وقتاً طويـلاً في مشوار المشـي لتشعر بتحسن المزاج والحالة النفسية. فقد أثبتت بعض الدراسات أن تحسن المزاج يبدأ بعد مرور 15-20 دقيقة من البدء في المشي، ويمكن أن يستمر إلى حوالي 30 ساعة.

‘إذا كنت تعرف كيف تخفف التوتـر وكيف تتعامل معه فافعل، لأننا لن نتخلص من التوتر بشكل نهائي ‘ كما تقول الأستاذة آن. وتضيف:’ النظام الغذائي وممارسة الرياضة هما أهم الأشياء لنبقى أصحاء، كما أن ممارسة الرياضة تساعدك على النوم بشكل أفضل”. كما تعقب قائلة ‘الكل يريد وصفة سحرية، ولكن تناول مختلف أنواع الأدوية الكيميائية لا يشبه في أثره ممارسة الرياضة، ولا يعوض عنها في التخلص من القلق وتحسين المزاج. كما أن الرياضة تعيد لك صحتك بصورة طبيعية وهذا ما لا تجده في الصيدلية “.

وهنا أقول: احرص على عدم الحماس المفاجئ لممارسة المشي بشكل عنيف من حيث المدة والشدة والمسافة أعلى من مستوى لياقتك البدنية. فمثلاً، يمكن أن تبدأ بدمج المشي في حياتك اليومية مثل أن توقف سيارتك في مكان أبعد وتمشي بعض الوقت، قد يكون ذلك كافياً. وقد يحتاج البعض الآخر منا ممارسة رياضة نشطة أكثر، مثل المشي السريع لمسافات أطول.

إن المشي المنتظم رياضة مجانية تقدم لصحتك الشيء الكثير، ليس أقلها أن تستمتع بمزاج معتدل ونفسية طيبة ما دمت تمارس هذه الرياضة الفريدة،

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى