ما مدى دقة مراجعة الأبحاث الطبية قبل نشرها ؟

GERMANY-EUROPE-FOOD-HORSEMEAT

مجلة نبض- BBC:

أثار الجدل الأخير حول الأرقام التي استخدمت في دراسات نشرت بالمجلة الطبية البريطانية “بريتيش ميديكال جورنال”، والتي تم سحبها في وقت لاحق، أثار من جديد التساؤلات حول دقة نظام مراجعة النظراء المعتمد حاليا في تقييم الدراسات والأبحاث الطبية قبل نشرها.

وتحقق المجلة التي تعرف اختصارا بـ “بي إم جا” في دراستين زعمتا أن الأدوية المستخدمة لتخفيض نسبة الكوليسترول في الدم يمكن أن تسبب آثارا جانبية ضارة لدى نحو 18إلى 20% من الأشخاص الذين يتناولونها. لكن تم بعد ذلك اكتشاف أن تلك الأرقام غير موثقة ولا يزال العلماء يبحثون مدى دقتها.

ولم يتم اكتشاف الخلل في الدراستين حينما تمت مراجعتهما للنشر.

ويسمي نظام تقييم الأبحاث قبل نشرها في الدوريات الطبية بنظام “تقييم النظراء”.

ويعني هذا اعتماد هذه الأبحاث عن طريق نظام تدقيق منهجي يجريه خبراء آخرون في نفس التخصص.
“أسوأ عقوبة”

لكن تحدث العديد من الأخطاء، وليس حالة الجدل حول أدوية تخفيض الكوليسترول حالة فريدة.

ويعكس هذا الأمر مشكلة متزايدة داخل الجماعة العلمية، حيث حدثت زيادة كبيرة في عدد الأبحاث التي تم سحبها من جانب الدوريات الطبية.

وعندما يتم سحب أحد الأبحاث يعني هذا أنه يتضمن الكثير من الأخطاء، الأمر الذي يجعل من الضروري أن تقوم الدورية بسحبه حتى يتم تقييمه من جديد.

ويعتبر الكثيرون أن هذا الإجراء يعد أسوأ عقوبة للعالم صاحب البحث.

وتزايد خلال السنوات الأخيرة عدد الأبحاث المسحوبة من النشر بشكل كبير، ففي عام 2000 كان هناك 30 بحثا لكن في عام 2010 قفز هذا العدد إلى 400 بحث.

ويأتي ذلك على الرغم من أن عدد الأبحاث المنشورة تزايد خلال الفترة ذاتها بنسبة 44% فقط ، وفقا لدورية “جورنال نيتشر”. ويتسبب هذا في مشكلة كبيرة لهذا الحقل من العلوم.

وعلى الرغم من أن عدد الأبحاث المسحوبة يمثل نسبة صغيرة جدا لا تتجاوز 2% من جملة الأبحاث المنشورة التي يبلغ عددها 30 ألف بحث سنويا، إلا أن طريقة عمل الجماعة العلمية تضخم من آثار أي خطأ.

ويعتمد الباحثون في دراساتهم الجديدة على الأبحاث والدراسات المنشورة سابقا، الأمر الذي يعني أن وجود بحث واحد منشور يحتوي على خطأ سيتسبب في انتقال هذا الخطأ إلى عشرات الأبحاث الأخرى التي ستعتمد عليه، وذلك قبل أن يتم اكتشاف الخطأ من جانب أحد الباحثين.

وبالنسبة للبعض، لم تكن الزيادة الكبيرة في عدد الأبحاث المسحوبة مفاجئة إلى حد كبير. يقول إيفان أورانسكي مدير تحرير منظمة “ميدبيج توداي” التي يوجد مقرها بالولايات المتحدة: “ربما يكون الأمر، كما نتصور نحن وآخرون، شيئا جيدا وعلامة على حرص الجماعة العلمية عل وضع الأمور في نصابها”

ويضيف: “كما يقال، فإنه من الصعب جدا في أغلب الأحيان أن يقنع النقاد محرري الدوريات العلمية بأخذ مخاوفهم في الاعتبار، وبالنسبة لعملية سحب الأبحاث فإن الأمر يستغرق وقتا أطول، ولذلك فإنها عملية معقدة”.

في يناير/ كانون الثاني الماضي أصبحت العالمة اليابانية هاروكو أوباكاتا من المشاهير بعد أن نشرت دراسة حول الخلايا الجذعية. وكان من المفترض أن تكون تلك الدراسة اكتشافا كبيرا يفتح آفاقا جديدة، لكنها تحولت لتصبح حالة من الخداع.

ونشرت دراسة أوباكاتا بعد أن تمت مراجعتها من جانب النظراء. ولكن بمجرد أن حاول فريق من الباحثين أن يعتمد في بحثه على تلك الدراسة اكتشفوا وجود “استخدام مضلل للمعلومات”. ووجد مؤخرا أن أوباكاتا مذنبة لارتكابها خطأ مهنيا.

“التكرار”

يقول البروفيسور نيغل هوبر أستاذ الكيمياء الحيوية في كلية البيولوجيا الجزيئية والخلوية: “يعتمد العلم على الآخرين لإعادة إنتاج أبحاثهم. ليس من الضروري أن يكرر نفس عملهم بالضبط، لكن بطريقة تضمن أن نتائج أبحاث الآخرين قابلة للتكرار”. ويضيف: “نحن لا نذهب إلى شخص ما ونطلب منه أن يكرر دراسة بعينها، لكن التكرار جزء طبيعي من العملية العلمية”.

ويقول دميان باتيسون المدير التنفيذي لدورية “بلوس وان “الخلاصة هي أن مراجعة النظراء ليس محصنة ضد الأخطاء”.

ويضيف: “من الصعب جدا أن تفهم ما يحدث في دراسة ما إلا إذا رأيت كافة المعلومات، والمشكلة في أغلب الحالات هي أن العلماء لا يشملون كل المعلومات في تقريرهم ولذلك ربما يكون هناك العديد من الأسباب التي تفسر لماذا تحصل دراسة على تقييم جيد من النظراء ثم يكتشف لاحقا أنها غير موثوق بها”.

عرض “انتقائي”

وتقول البروفيسور إليزابيث لورنز الخبيرة في مرض السرطان والرئيس التنفيذي لمؤسسة “تبادل العلم”، وهي مؤسسة تتيح للعلماء تبادل المعلومات، إن الدراسات غالبا لا تصحح نفسها.

وتعتقد لورنز أن نظام مراجعة النظراء يحتوي العديد من المشكلات، حيث أن كل مراجع يتوقع أنه يقيم بحثا يتضمن معلومات تم التوصل إليها من جانب باحثين ذوي خلفيات متخصصة للغاية. وربما لا يكون الشخص المراجع لديه خبرة في كل التقنيات المستخدمة، وخاصة التحليلات الإحصائية المعقدة.

وتقول لورنز “هناك أدلة على أن بعض الباحثين يقدمون أحيانا معلومات إنتقائية تؤيد صحة فرضيات بعينها”

وتضيف “هذا يعني أن المراجعين ليس لديهم إمكانية للوصول إلى كل المعلومات التي نتجت عن الدراسة، ولا يستطيعون تحديد ما إذا كانت المعلومات المقدمة لهم تمثل بدقة كل مجموعة البيانات المتعلقة بالدراسة”.

ومنذ نحو عامين أسس إيفان أورانسكي مدونة “ريتراكشن ووتش” بالتعاون مع الصحفي المتخصص في الشؤون العلمية آدم ماركوس. وتتركز مهمة هذه المدونة على تسليط الضوء على حالات سحب الأبحاث العلمية والأخطاء والتصحيحات.

وأمام هؤلاء الصحفيين الكثير من العمل، وذلك وفقا لدراسة البروفيسور دانييل فانيللي وهو عالم متخصص في دراسة الأخطاء المهنية في الأبحاث العلمية ومشكلات عدم حيادية الدراسات وعضو بإحدى لجان المجلس الوطني للبحث العلمي في إيطاليا.

ووفقا لدراسة نشرها عام 2009 في دورية “بلوس وان” واعتمدت على البيانات الخلفية للعديد من الاستطلاعات، فإن نحو 2% من العلماء أقروا بأنهم زيفوا أو عدلوا بعض العناصر مرة واحد على الأقل. واعترف ثلث العلماء الذين خضعوا للدراسة بـ “ممارسات مثيرة للشك” تتضمن “تعديل نتائج الأبحاث لتحسين المنتج النهائي ثم الحصول على النتائج المزعومة التي يعلمون أنها “غير صحيحة”. علاوة على ذلك‘ فإن أكثر من 70% من العلماء قالوا إنهم شاهدوا تصرفات غير منضبطة من زملائهم.

“أسوأ نظام”

ويقول دميان باتيسون إذا كانت القضية هي مدى موثوقية الدراسات التي تنشر كل يوم؟ “فأنا لا أستطيع حقيقة الإجابة على هذا السؤال”

ويقر باتيسون بأن هناك مشكلة فيما يتعلق بإتاحة المعلومات ويقول: “نحن ننظم حملة بهدف جعل كل بيانات ومعلومات البحث متاحة”.

من جانبه، يقر إيفان أورانسكي بأن نظام مراجعة النظراء “يحتوي بالتأكيد على عيوب” لكنه يضيف “كما قال تشرشل عن الديمقراطية، إنه أسوأ نظام ممكن من بين كل الأنظمة الأخرى التي يتم تجريبها من وقت لآخر”

ويضيف “اقترح عدد من المعنيين عددا من الطرق لتحسين نظام مراجعة النظراء، ومن بينها الطريقة التي ندعو للترويج لها وهي أن تتبنى الدوريات مراجعة للدراسة بعد نشرها أكثر مما تفعله حاليا، وبذلك تكون الدراسات المنشورة تعكس حقيقة مدى دقة هذا العلم”

ويعتبر أورانسكي أن هناك خيارا آخر وهو جعل مراجعة النظراء علنية وليست مجهولة المصدر، وذلك من أجل الشفافية. لكن هناك اتفاقا عاما على أنه في معظم الحالات تكون أخطاء نظام مراجعة النظراء راجعة لخطأ بشري، ولا يملك أحد أن يمنع الأخطاء المهنية تماما.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى