لماذا نعطس عند النظر إلى الضوء؟

150626124442_2

مجلة نبض-BBC:

إذا وجدت نفسك تعطس عندما تخرج من الظلام إلى النور فلست وحدك الذي يفعل ذلك.
في عام 1991، كتب إيمير بينبو، أخصائي علم الأمراض بجامعة مانشستر، رسالة إلى رئيس تحرير المجلة البريطانية لطب العيون يقول فيها: “حتى الأعراض البسيطة يمكن التعامل معها بسهولة إذا تمكنت من إطلاق اسم عليها، حتى لو كان ذلك الاسم يترك انطباعاً خادعاً عن مدى أهمية هذه الأمراض”.
وكان الاسم الذي يشير إليه هو “العطس الضوئي”. لقد عانى بينبو من حالة مرضية تتمثل في تعرضه لموجة من العطس الكثيف عند خروجه من مكان مظلم إلى مكان به إضاءة شديدة، لكنه شعر ببعض العزاء عندما عرف أن هذا “يحدث للناس العاديين”.
أول بحث رسمي في هذه الظاهرة كان في فرنسا في خمسينيات القرن الماضي من جانب باحث فرنسي يدعى سيدان، الذي اكتشف أن بعض المرضى كانوا يعطسون عندما أضاء في عيونهم المنظار الذي يستخدم لفحص شبكية العين. وبعد إجراء تجارب على ستة مرضى، تيقن سيدان من أنهم يعطسون عند التعرض أيضاً لضوء الشمس الساطع، أو فلاش الكاميرا، وفي إحدى المرات عند التعرض للأشعة فوق البنفسجية.
وفي وصفه لتلك الظاهرة لاحظ سيدان أن العطس يحدث فقط لحظة تعرض المريض للضوء، لكنه لا يستمر خلال التعرض لفترات طويلة لضوء الشمس الساطع أو حتى ضوء منظار العين.
ولأن سيدان لم يجد أي شرح في العلوم الطبية لظاهرة العطس المتعلق بالضوء، فقد استنتج أن هذه الظاهرة نادرة الوجود. لكن تبين أن ما هو معروف عن هذه الحالة أكثر بكثير مما توقعه، وذلك بعد أن كتب عنها الطبيب اتش سي إفيريت في مجلة طب الأعصاب عام 1964، حيث أطلق عليها اسم “العطس الناتج عن الضوء”.
يقول الباحثون إن عدد المصابين بهذه الحالة يتراوح بين 17 بالمئة و35 بالمئة من سكان العالم. ووصل عدد المصابين بهذه الحالة إلى 23 بالمئة من طلبة الطب الذين شاركوا في البحث الذي أجراه إفيريت، و24 بالمئة من المتبرعين بالدم في دراسة أخرى.
ولم تكن هذه الظاهرة ملحوظة خلال القرن الماضي فحسب، إذ أنها تعود إلى عصر اليونانيين القدماء، فقد لاحظ الفيلسوف والطبيب اليوناني أرسطو وجود هذه الحالة، وتساءل في كتابه “كتاب المسائل” Book of Problems: لماذا تؤدي حرارة الشمس إلى العطس، ولا تفعل ذلك حرارة النار؟”
وخلص أرسطو إلى أن حرارة الشمس تتفاعل مع السوائل الموجودة في الأنف، مما يسبب العطس، أما حرارة النار فهي تبخر هذه السوائل وتستهلكها أيضا، مما يسبب جفافا في الأنف، وهو ما يمنع العطس.
وبغض النظر عن أنه لم يحدد بالضبط أن ضوء الشمس هو المسؤول عن العطس وليست الحرارة، فإن هذا يعني أن هذه الحالة كانت معروفة منذ زمن يعود ربما إلى القرن الثالث قبل الميلاد.
في عام 2010 حدد مجموعة من علماء الجينات برئاسة نيكولاس إريكسون من شركة “23andMe”، اثنين من جينات “تعدد أشكال النوكليوتيدات المفردة” أو “SNP” ذات العلاقة بالعطس الشمسي، وذلك بفحص الأنماط الوراثية لنحو 10,000 من عملاء الشركة. تعد هذه الجينات بمثابة حروف بديلة في مكتبة الجينات الخاصة بالشخص.
قيادة السيارة من الأنفاق المظلمة إلى النور يمكن أن يكون خطيرا إذا كان الشخص مصابا بالعطس الضوئي
أحد هذه الحروف يطلق عليه اسم rs10427255 والآخر يطلق عليه rs11856995. أحدهما يقع قرب أحد الجينات المعروف بعلاقته بظاهرة الصرع الناجمة عن الضوء، والذي يزيد من إمكانية وجود رابط بيولوجي بين المتلازمتين.
هناك عدد من الدراسات المختبرية القيمة لهذه الحالة، لكن طبيب من كليفلاند يدعى هارولد موريس نشر تقريراً عن سيدة عمرها 55 عاماً ولها تاريخ في الشكوى من نوبات العطس بمجرد التعرض للضوء.
وصفت هذه السيدة نفسها بأنها “تعطس بسهولة”، لكنها لم تلحظ أبداً أن عطسها يمكن أن يكون نتيجة التعرض للضوء أيضاً. وللوقوف على حقيقة الأمر، أشعل موريس أنوارا ساطعة باتجاه عينيها بعدة طرق مختلفة.
وكتب موريس عام 1989 في مجلة عيادة كليفلاند للطب يقول إنه استطاع أن يجعلها تعطس بتسليط الضوء على عينيها. وبدأت السيدة تعطس بعد مرور نحو عشر ثوان بعد وصول الضوء لعينها أول مرة. وفي كل مرة يتم فيها تسليط الضوء كانت تعطس مرتين متتاليتين، ولكن في إحدى المرات عطست ثلاث مرات متتالية ومتسارعة.
يقول موريس في ملاحظة حذرة: “الفاصل الزمني بين العطسة والتي تليها كان يتراوح بين ثانيتين وأربع ثوان.” أما بالنسبة للعلاقة بين عدد العطسات وكمية الضوء عند مريضته فيقول موريس إن المسألة لا تتعدى كونها مصادفة، فليس هناك سبب بيولوجي أو خاص أو فريد من نوعه فيما يتعلق بكمية وقوة الضوء الذي سلطه على عيني المريضة.
وبالرغم من كمية المعلومات التي جمعها الباحثون عن الموضوع، لا يعرف أحد على وجه الدقة كيف يمكن للضوء إثارة وتحفيز العيون بطريقة تؤدي إلى العطس، لكن هناك احتمال أن العين والأنف مرتبطان عن طريق العصب الخامس.
عندما يعمل محفز ما على إثارة جزء من الجهاز العصبي في الجسم، يتم تفعيل الأجزاء الأخرى أيضاً. وهكذا عندما يرغم الضوء الساطع العيون على أن تغمض فان ذلك يؤدي بطريقة غير مباشرة إلى إفراز واحتقان في الأغشية المخاطية الأنفية، وهو ما يؤدي إلى العطس.
قد تبدو هذه القضية تافهة، لكنها يمكن أن تكون خطيرة بالفعل في ظروف معينة. يقول موريس: “وجدت أن التعرض المفاجيء لضوء الشمس بعد قضاء فترة في الظلام، يجعلك تمر بنوبة عطس مصحوبة بعمى مؤقت”. العطس الناتج عن ضوء الشمس يمكن أن يكون ضاراً للاعبي البيسبول ولمن يقومون بالألعاب البهلوانية. وربما تؤدي الرغبة في تجنب العطس الناتج عن أشعة الشمس إلى ظهور نوع جديد من اكسسوارات الأزياء قد يطلق عليه اسم “الظلال الطيارة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى