أساسيات التعلم الطبي

د.جاسم العزاوي

الكاتب: د.جاسم العزاوي
كلية الطب بجامعة شقراء

 

يمكن القول بان الخوض في مفهوم التعلم يعني تنمية مهارة تعمل على تحسين نمط واسلوب بناء الفهم والادراك الصحيح الذي تتطلبه العلوم الطبية الحديثة. وطبقا للمفهوم السايكولوجي فان بناء مهارة ما تؤدي الى تغير نمط السلوك في فهم المضمون العام والخاص بما وينسجم مع ادراك الحقائق الطبية الحديثة. لذا فان فهم الحقائق التعليمية بطريقة تشجع المتعليم على تحليل المادة المراد ان يتعلمها قد يساعد على الابداع في تصور وادراك الامور بطريقة جديدة قد تنتج منها ناتج علمي جديد يساهم في عملية التطوير والابداع الفكري الذي يتطلبه العصر الحديث. كما يجب على طالب الطب ادراك دور التخطيط، والاعداد الاسترتيجي للتعلم، فأنه ذات دور كبير في برمجة وادارة خلايا الدماغ في اعطاء فرصة أفضل لبرمجتها في بطريقة أفضل حتى تتمكن من التحليل والاحتفاظ بأكبر كمية من المعلومات الضرورية لبناء قاعدة المعلومات الطبية في الدماغ المطلوبة في اتخاذ قرار أو تحليل حالة سريرية ما. وهنا لابد على الطالب من اعداد نفسه لفهم وادراك كيف يبني خبرته في مجال التعلم. فالتعلم عند البالغين مبني على القناعة والرغبة التي تدفع المتعلم للتعلم بنفسه وليس الاعتماد على الآخرين. هذا النمط من التعلم يشجع المتعلم إدراك حقيقة “التعلم من خلال التفكير” والذي يمكن ان يقود الى الطريقة الفعالة للتعلم في ادراك وفهم الحقائق العلمية ضمن النهج التجريبي في التعليم. ولتوضيح ذلك يمكن ادراك المثل العام “اذا عرف السبب بطل الاعجب”. فمعرفت ما نقرأ بإطار ما هو وكيف ولماذا بالتأكيد يقود القارئ او المتعلم من ادراك النص ليخرج بعد ذلك بفهم جيد يمنعة من التعجب بالتفكير بخلفية الامراض. هذا النمط من التعلم يقود طالب الطب قبل وبعد اللمارسة المهنية الى الوصول للتشخيص والعلاج الصحيحين. يمكن ادراك النهج الفعال لطريقة التعلم من خلال إدراك المفهوم العلمي والتطبيقي للتعلم. وطبقا للابحاث في هذا المجال فقد تم تثبيت المجالات الاساسية للتعلم بثلاث مجالات.

 

يشمل المجال الاول الحركية Psychomotor التي تٌسير من قبل العقل الباطني والتي لا تحتاج الى معرفة وتفكير عميق. لكن لا بد من الادراك ان تطوير هذا المجال يحتاج الى تنمية الخبرة بدقة خاصة في البداية. فمثلا يختلف الاطباء والممرضين في قابليتهم باعطاء حقنة او أخذ دم من المريض. فمنهم من يمارس هذه المهنة بمهارة عالية الدقة تريح المريض ومنهم من يجعل المريض في حالة مؤلمة. تعود جودة التطبيق في هذا المجال على طبيعة ودقة التركيز في ممارسة المتعلم المبدئية. ساهمت تكنولوجيا المحاكاة simulation الحديثة في توجيه المتعلم الطريقة الصحيحة التي يمكن ان تنمي مهارات طبية دقيقة عند المتعلمين. لكن اتقان تقنية التعرف على الحالة السريرية تحتاج لتركيز وممارسة فعلية بهدف الوصول الى تنمية الخبرة العملية الجيدة. وهناك حالات سريرية متعددة تتطلب تخزين المعلومات المطلوبة لمهارة معينة مثلا في استخدام الناظور للتعرف على طبيعة خلايا النسيج في الجهاز الهضمي أوالدموي أوالبولي. وهنا لابد من ادراك ان الهدف من كسب المهارة تشمل تقليل الالم عند ادخال الناظور والوصول الى تشخيص لحالة النسيج واخذ عينة اذا تطلب الامر.

 

المجال الثاني يشمل المعرفة Cognitive ومعرفة “كيف” و “لماذا” و “ماهو”. اتقان التفكير بهذه الاسئلة يمكن ان تنور الطالب من ان يعي وبعمق ادراك المعرفة وخاصة السريرية. التعمق بالتفكير في دفع تشغيل الخلايا العصبية يتطلب استراتيجية وممارسة تفكير في اتخاذ القرار الصائب خاصة في وقتنا الحالي التي تنتابه الكثير من الحالات السريرية غير الطبيعية. يتطلب من الطالب تحديد الاستراتيجية المناسبة لنفسه في كيفية التخطيط وادراك الحالات السريرية من أجل الوصول للتشخيص الامثل. وهنا لابد من الطالب ادراك العلوم الاساسية التي تمكنه من الوصول لتفسير الحالات السريرية المختلفة. وفي اوربا بدا التفكير في التعليم الطبي ان تتخللة مسؤولية الطالب في التعلم لزيادة وادراك المعرفة لذا بدا التفكير بما يسمى اساسيات تضيق الفجوة بين الجانب النظري والمهني Theory Practice Gap اضافة ما يسمى التعليم المبني على مشكلة  problem-based learning  الذي يكون الطالب الاساس في تعليم نفسه وزملائه من خلال المناقشة ضمن مجموعة صغيرة. بالحقيقة هنا يحتاج الطالب أن يدرك المشكلة السريرية والاسس العلمية التي تستند عليها تلك المشكلة. أما المجال الثالث الذي يشمل الصفات الانسانية الخاصة بالمشاعر والعواطف او ما يسمى بالوجدانية affective لذا فالتعليم الطبي يتطلب بالاضافة للمعرفة اتباع السلوك الحديث في التعامل مع المرضى والامراض.

 

ان ما يميز التعليم الطبي عن بقية العلوم الاخرى هو كثرت المعلومات وقلة الوقت لذا فان نظرية التعلم الطبي تؤكد ان على أن طلبة الطب يتعلمون بشكل أفضل عندما يكون سياق التعلم لابد ان يشمل إدارة الوقت، والالمام بالعلوم المتداخلة المرتبطة بالتعليم الطبي interdisciplinary-based approach اضافة الى اعتماد المنهج القائم على اساس التعلم ضمن المجموعات الصغيرة Small group-based approach. وبصورة عامة، التعليم الطبي ذات تشعبات متعددة تشمل كل من المهارة وتخزين المعلومات خلال التعلم باستراتيجية تتناسب مع سلوك المتعلم بما يضمن الاستفادة منها خلال عملية الممارسة والتطبيق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى