الكاتب: مُصطفى مقليّة
تعتبر نظرة المجتمع لشيء معين من أهم العوامل التي تؤثر على مكانته في المجتمع سلبا أو إيجابا, وتأثير نظرة المجتمع على شيء معين هي حقيقة ملموسة وواقع لا بد أن نسلم به فمثلا نظرة المجتمع نحو الطب النفسي سلبية و“سوداوية“ في عمومها رغم أن هذا التخصص به من الشمولية ما يسع هموم الناس ومعالجة مشاكلهم والتعامل مع العوائق النفسية التي تؤثر على حياتهم, لن أتحدث عن أن هل كل ما ينظر إليه المجتمع نظرة ما هو صحيح أم لا, ولا كيفية تصحيح نظرة المجتمع عن شيء معين لأن هذا يحتاج إلى شرح طويل ووقت أطول والمجال لا يتسع، ولكن ما أردت الحديث عنه هو نظرة المجتمع إلى طالب الطب.
لا بد وأنك عزيزي القارئ وعزيزتي القارئة قد لاحظتم أنه في كثير من الأحيان ما أن يتم قبول طالب أو طالبة في كلية الطب, أو ربما أي كلية صحية حتى يتم مناداته بـ يا دكتور أو يا دكتورة سواء من الأب أو الأم أو الجد أو الجدة أو العم أو العمة أو أيا كان من الأقارب, تفاؤلا بأن يصبح أحد أفراد عائلتهم طبيبا لما للطبيب من مكانة رفيعة في المجتمع تجعل من ينتمي إلى كلية الطب فخرا لعائلته التي تتوقع منه الكثير والكثير مستقبلا فيباهي الأب بابنه الذي دخل كلية الطب وتتحدث الأم عن ابنتها التي سوف تصبح طبيبة ولربما تجاوزت إلى تحديد مجال تخصصها في المستقبل.
ثم إن الطالب خلال سنوات دراسته وهو يزور أحد أقاربه قد يتعرض لسؤال أحد أقاربه عن مشكلة صحية يعاني منها فتارة يسأله عمه عن مغص في بطنه، وتارة يسأله جده عن صداع مستمر لا يهدأ وتارة تسأله خالته عن حالة التخدر التي تصيب يدها أو رجلها أحيانا لأنهم يضعون في تصورهم أن من يدخل كلية الطب فقد أصبح “خبيرًا “بكل ما يجلب الداء وقادرًا على إيجاد الدواء, ومع استمرار الدراسة تأتي المفارقة العجيبة حيث أن الطالب في كلية الطب ما إن يصل إلى السنة الرابعة أو الخامسة إلاّ ويكتشف بأن دور الطالب في الكلية في المستشفى يكون طرفيا وغير ظاهر حيث يدرك أن الأدوار الرئيسية داخل المستشفى تكون للاستشاري والأخصائي والطبيب المقيم ثم طبيب الامتياز، وتتكسر الصورة التي بنيت أو بالأصح بنتها نظرة المجتمع في تصوره ويحل مكانها إطار “فارغ ” لأنه لا يعرف حقيقة الأدوار التي يستطيع كطالب طب القيام بها فيصبح مصدومًا، مترددًا مشدوهًا لا يلوي على شيء سوى مطالعة الكتب التي يدرسها وملازمة الرفقة التي يصاحبها بانتظار التخرج علّ الأيام تحضر له جوابًا والانتظار يجلب له علاجا.
إن طالب الطب يجب عليه أن يكون مضطلعا بدوره نحو كليته وماذا يستطيع أن يعمل لها, ونحو جامعته وكيف يساهم فيها ليرتفع باسمها, ونحو مجتمعه وماذا يستطيع أن يعمل له, وليس معنى ذلك أن يهمل طالب الطب دراسته ويترك اجتهاده وسعيه إلى التفوق, بل إن ذلك من الأولويات التي يجب عليه الأخذ بها والسعي لها لأنها مفتاح مستقبله وطريق حصوله على العلم والمعرفة اللازمة لممارسة تخصصه, ومتى ما استطاع طالب الطب إدراك الأدوار التي يستطيع القيام بها فهو قد خرج من الصراع الذي نتج في داخله عن نظرة المجتمع عن طالب الطب بما فيها من المبالغة والنظرة إليه في المستشفى واكتشافه لمحدودية دوره فيها.