الكاتب : مصطفى مقليّة
“ كيف تأخذ التاريخ المرضي ؟ “ بهذه العبارة بدأ الدكتور نزار باهبري جلسة تدريسه السريري, لمجموعة من الطلاب بعد إمضائهم لما يقارب 10 أسابيع من دراسة الطب الباطني, حيث بدأنا بدراسة كيفية أخذ التاريخ المرضي للمريض, وهو أمر أولي تمت تغطيته بشكل كامل من قبل الطلاب في الأسابيع الأولى, تهامس الطلاب سرا فيما بينهم “ أحقا سوف ندرس كيفية أخذ التاريخ المرضي من جديد, وهو الموضوع الذي كان من المفترض أن تتم تغطيته بشكل كامل خلال الأسابيع الأولى من الدراسة“ ,ولكن الفكرة تغيرت لدى الطلاب بمجرد عمل السيناريو الذي لعب فيه الدكتور نزار باهبري دور مريض يعاني من ضعف عام, بينما يأخذ منه مجموعة من الطلاب التاريخ المرضي لمعرفة المشكلة .
وكانت المفاجأة أن أحداً من الطلاب الثلاثة الذين لعبوا دور الطبيب لم يستطيعوا الوصول إلى التشخيص الصحيح, وهو مجرد ارتفاع مستوى السكر في مريض بالسكر, وهي حالة على الرغم من بساطتها إلا أنها حالة طارئة, تتطلب التصرف الصحيح والسريع في نفس الوقت والمفاجأة الأكبر, كانت أن بعضا من الطلاب ذهب يستفسر عن الأمراض العصبية والروماتيزمية وغيرها, رغم أنها ليست شائعة وبالتالي استنتج الطلاب أن عملية أخذ التاريخ المرضي, هو فن وعملية تتطلب ذكاء وتفكيرا سليما, وليس مجرد قائمة من الأسئلة الصمّاء التي لا يمكن ترجمتها إلى تشخيص واقعي وملموس .
وهناك الكثير من الأمثلة على أن مجرد تكرار أسئلة محفوظة من قبل الطلاب, خلال أخذهم التاريخ المرضي لحالة حقيقية, لا يؤدي إلّا إلى معلومات غير مترابطة وغير متجانسة, ولا تلعب الدور الصحيح في الوصول إلى التشخيص المناسب , وعدم الوصول إلى التشخيص المناسب قد يعني التسبب في ضرر كبير بالمريض, سواء بتأخر التشخيص الصحيح أو إعطاء العلاج المناسب لتشخيص آخر, إن أخذ التاريخ المرضي تعتبر أهم خطوة في الحصول على التشخيص المناسب ، وعلى الطبيب أن يعمل عقله بشكل جيد في كل مرة يأخذ فيها التاريخ المرضي من المريض ويعطي كلام المريض الاهتمام المناسب .
إن مثل هذه الأمور تمثل الجسر بين ما يدرسه الطالب في كليته وبين ما يجده في الحياة الواقعية, ولذلك فإن الدراسة النظرية وحدها لا تكفي, ما لم يصاحبها تطبيق عملي جيّد والتعامل مع مرضى حقيقيين, وعلى كل طبيب تنظيم تفكيره وبرمجته حين يبدأ بالاسترسال في أخذ التاريخ المرضي, بحيث يبدأ من العرض بكل تفاصليه وأسبابه ,والأعراض المصاحبة له وما قد ينتج عنه , وهكذا حتى يصل للتشخيص الصحيح, فلنعلم بأن الطبيب ليس مجرد صحفي, يسرد الأسئلة وينتظر الإجابة بل يجعل لكل سؤال مغزى, فهي في النهاية حياة وصحة إنسان, جعلها الله أمانة بين أيدينا فلنحافظ عليها, فهو ليس بالأمر الصعب نحتاج للوقت والجهد والتنظيم, حتى في أخذنا للتاريخ المرضي .