! RNA tie club
الكاتب : د.متعب العتيبي
نادٍ من نوعٍ خاصٍ جداً، لم يكن يضم مجموعة رياضيين محترفين أو هواة وإنما مجموعة فريدة من نوعها، مجموعةٌ تجاوز أفرادها أشكال العلاقة التقليدية ليكونوا عالـَماً مميزاً يخرج بهم عن المعتاد, بدأت قصة هذا النادي المثيرة في عام 1954م حينما أسسه عالم الفيزياء الروسي الهارب من بلده، جورج جامو وقام باختيار أفراده بعناية عالية, إنهم مجموعة من العلماء المتخصصين في عدة علوم مختلفة ولكن يجمعهم هدف مشترك هو فك شِفرة الحياة عبر الكشف عن تركيب ال RNA والميكانزم الذكي الذي يسلكه لإنتاج البروتين, هذه الشفرة الغامضة كانت تشكل إغراءً باذخاً لعقول هؤلاء, وتدفع بضراوة عبر جاذبيتها إلى الغوص الامتناهي في أعماق النواة النابضة بالحياة.
إن هذا الالتقاء في قاسم مُشترك، وهو محبة المعرفة والاستكشاف، يدل على أن للمعرفة شهوةً عارمةً في قلوب بعض الناس, تعادل الشهوات الغريزيَّة الأخرى لدى عامة البشر وأن العلم يُمكن لهُ أن يشكل قيمةً ومبدأً عالمياً, يلتف أصحابهُ تحت لوائه وينسج بينهم علاقات وطيدة قد تتجاوزُ متانةَ علاقات الدم ! يتألف هذا النادي من عشرين عضواً ولهذا العدد سبب مثير وعميق في ذات الوقت, هذا العدد يقابل عدد الأحماض الأمينيَّة المعروفة وكان كل عضو يحمل لقباً علمياً يتألف من الحروف الثلاثة الأولى من كل حمض أميني ! فمثلاً فرانسيس كريك كان يلقب ب (تايروسين) ,كما كانوا يرتدون ربطات عنق منقوشٌ عليها الشكل البنائي للـ RNA ! ومن هنا جاءت التسمية، وبجانبها بطاقة هوية مكتوبٌ عليها الاسم واللقب, كما كانت الأوراق المكتبية ذات طابع خاص ومكتوبٌ عليها الشعار التالي: “ Do or die, or don’t try “ .
في الحقيقة كنت استغرب-عبر ثقافتي- هذا التصرف من علماء كبار علماً وعُمراً, لكن ذلك سُرعان ما تلاشى حينما استنتجت من انجازاتهم, بأن هؤلاء العلماء يريدون أن يحققوا الانهماك التام في الهدف، يريدون أن يروا شكل ال RNA الجذاب على صدورهم وصدور رفاقهم ، يريدون أن يُنادَوا و يُنادُوا غيرهم بأسماء ذات أجراس منعشة تربطهم بالحلم، الفكرة الكبرى إنه حالة من الاندماج السيكولوجي مع مشروعهم، مشروع الكفاح الإنساني كانوا يجتمعون بشكل أساسي مرتين في السنة, بالإضافة إلى التواصل المستمر عبر الرسائل لتبادل النتائج والمعلومات والمقالات القابلة للنشر، غير أن الحال لم تكن جادةً طوال الوقت، فقد كانوا يجتمعون أحياناً حول طاولة لعب الورق .
وقد طرح كثير منهم نظريات وتقدم بنقدها آخرون داخل المجموعة دون أن يمس ذلك برباط الزمالة ، فجورج جامو مثلاً قد تعرضت نظريته (the diamond code model) للنقد والتشكيك من قبل صديقه فرانسيس كريك داخل مناخ علمي رحب، وهذا يعكس لنا مدى خطورة شخصنة النقد، بحيث يعتبر النقد العلمي للاطروحة نقداً لذات الباحث كما يحصل في مجتمعاتنا للأسف!. المفارقة المثيرة للتعجب هي أن ثمانية من المجموعة، ذات العشرين عضوا، قد حصلوا على جائزة نوبل ! إنني أتساءل هل كان بمقدور الأعضاء الذين نالوا جائزة نوبل أن يحققوها لو كانوا خارج هذه المجموعة ؟ هل يُعدُّ حُب المعرفة والاستكشاف والطموح أمراضاً مُعدية ؟ هل يمكن أن نرى في كليات الطب لدينا نادياً مماثلاً لنادي ربطات عنق الRNA أتمنى ذلك .
قصة جميلة ..
وبإذن الله ,, تتحقق الأمنية …
قصة راااائعة
بوركت الايدي الكاتبة