الكاتبة : حياة الجطيلي
لطالما قالت لي أمي الإنسان موقف, بموقف واحد تظهر شخصيتك ويتضح معدنك, كيف ذلك فكر معي أثناء قراءتك لهذه السطور في مواقفك الشخصية, الحقيقة هي أنك في حياتك اليومية, تواجه مواقف تثير حنقك واستيائك فلا تغضب يوماً, وتقول ما تندم عليه
تصادف موقف تقف فيه أمام حزن حبيب وألمه, أما أن تشاركه كما يجب من حبك ووفائك أو تنسحب, ففي تحدي مثل هذا يشرق نبلك, و لربما رأيت يوما إساءة من ذلك الحبيب إما أن تسامح وتحسن الظن, أو أن تنتظر اعتذرا حتى تُذل أو أريته الإساءة إساءتين, ففي تحدي مثل هذا تكون أنت !
ويوم ما عملت وأتقنت ثم لهجت ألسنة المادحين, عندها إما أن تردد بثناء ( فضلك ربي) أو يتسلل الشيطان لنفسك متأبطاً التباهي ثم الكبر .وفي أول خطاه طرد التواضع وأهملت الداخل الجديد, وأثره النفسي حتى خُدشت نيتك,وبات الثناء هدف والرياء شعار أدركت أم لم تدرك ! إما توالي ذلك وتجاهلك أو اهتمامك وصراعك مع الداخل الجديد ( الكبر) , حتى تربي نفسك على إنكار ذاتك يصنعك أنت !
ويوم أن صعب عليك البر وأشقتك المعاملة,فأشفقت على أم حانية أو أب متعب,وحاولت مدارة المشقة وتحاملت على نفسك كبرها وترفعها, وتذللت لهما ولمطالبهما وتوددت إليها, فيما يحب أو تحب وبذلت كما تبذل لنفسك, وصبرت كما صبر وصبرت وكلما أنهكت تذكرت (ففيهما فجاهد) حينها يكون معدنك ذهبي!!
وفي زمن العصف الذهني وتسابق التيارات الفكرية, والحوارات العقيمة والغير عقيمة هنا وهناك تعلمت فن الصمت, تحت ضجيج إثبات الرأي والسباحة مع التيار الأقوى, فجمعت عليك نفسك وصدقت نيتك في مقاربه الصواب, وبعد النظر علمت أنك مختلف وعكست التيار ولكن الإنسان موقف, لا يحتاج موقفك أن يكون مألوفاً لدى الجميع ليكون صحيحاً
,حين تقدم على عمل أو مهمة ما تصادفنا في حياتنا العملية, ثم تفاجأ بالعراقيل التي تبطئ سيرك وبالتحديات التي تجعلك تسأل نفسك, هل أنهي تلك المهمة على مضض لأرتاح منها ! أم أتقنها كما قررت رغم ظروفها ؟! كلنا ضمنياً مررنا بذلك, ولكن هذا يزيد بعضنا إصراراً على البذل أكثر والإنتاج بإبداع, لاحتواء التحدي في تلك المهمة وإنهائها بأحسن ما يستطيع, فلا شئ كطعم ابتسامة الرضا بعد التعب والإتقان, فإن لم تنهه كما قررت وبطريقتك المعهود ستبقى تفكر بذلك التحدي, الذي غلبك وقصر من جهودك هناك من يكاد يكون ذلك التحدي, نافذة يتسلل منها لينهي العمل بأسرع ما يستطيع ويبوح لنفسه, أن ذلك التقصير بسبب تلك العقبة ! ويملأ الموقف بالأعذار.
فعلاً الإنسان موقف, هناك من يفكر أبعد من دائرة نفسه أبعد بكثير,على مستوى الأمة أو إن شئت الكرة الأرضية,يريد أن ينفع وينشر النور ليذوق لذته الكثيرين كم نعم هو بهذا الإيمان, تخيل نفسك حين حملت لواء الدعوة, وتكحلت بالقابض على دينه كالقابض على جمره, وبات يقظُّ مضجعك قلوب تائهة ونفوس عطشى, تحلم كل يوم بأن تشرق الهداية لمدى اللانهاية وتغمر قلوب شتّى, ليس سعي لنفسك بل لله سبحانه, تزحف في طريق وعر تحلم بلقاء وجهه ورضاه فأنت إذا معدن نادر .