أنا الآن لستُ طبيباً
الكاتبة : ديما الشافي
لنبدأ الحكاية من البداية من اللحظة التي تتسلل فيها نشوة جامحة إلى دواخلنا, و التي نكون بعدها كما لم نكن قبلها أبداً هي اللحظة التي تنتزعنا من ماضٍ بسيط, وتضمنا إلى ركب النضال والمكافحة هذه اللحظة هي حتماً لحظة قبولنا بكلية الطب , فبعدها تنقلب كل الموازين وتنعكس كل المفاهيم, وتتغير نظرة الناس من حولك إليك -وأياً كنت- فإنهم سينظرون إليك من منظار الفخر والثقة والإحترام , وربما قد يتباهون بك أمام القريب والغريب وبعضهم سيدفعه الحماس ليناديك و بابتسامة عريضة- الدكتور/ة – ، ولن تزيدك هذه التسمية أو تلك النظرة إلا زهواً وحبوراً تزداد يوماً بعد يوم وتكبر معنا وتتضخم إلى حدها الأقصى, حتى تصدم بدبوس الواقع فتنفجر بكل أكيد هذا الدبوس كاليقين لابد أن يأتي ولو بعد حين, هو كرصاصة الرحمة تصيبك ولكن لا تقتلك بل تحييك ونحن لم نكن ندرك آنذاك بأن حماستهم وإستعجالهم ليست سوى ضريبة مؤجلة الدفع مستقبلاً, بموقف هم يصنعونه لنا لنكون نحن ضحيته وماهو إلا ناتج عن صورة الطبيب التي رسموها لنا في خيالاتهم, والتي وضعوها بدلاً من الصورة المفترضة لطالب العلم المتواضع, يتمثل هذا الموقف بقدوم كبير في السن -غالباً ما يكونون كذلك-, إليك طالباً استشارة طبية في تشخيص لأحد الأعراض التي أصابته أو في جرعة دواء يستخدمه, و اذا لم تكن لديك المعلومات الكافية أو كنت مازلت تدرس في السنوات الأساسية-السنين الثلاث الأولى- أو اذا كان هو من أصحاب الأمراض المزمنة التي تستلزم تجرع الكثير من الأدوية, فيمكنني الآن أن أقول كان الله في عونك لأنك فعلاً في مأزق, أنت الآن كمن يسقط من علو شاهق نحو الأرض في ظرف ثوان .
ولكن هما مخرجين لا ثالث لهما
الأول: أن تتحدث عن الجزء اليسير الذي تعرفه وربما قد تضيف عليه بعض الرتوش التجميلية .
والآخر: هو أنك تصمت أو تعتذر عن الإجابة لأنك لا تملك الخبرة والتجربة الكافيتين .
ولكل واحد منهما عاقبتين إحداهما سيئة والأخرى حميدة, فإما أن تحافظ على صورتك أمامهم لتجازف بهم أو تحافظ عليهم مقابل أن تخسر ثقة يصعب أن تستردها سريعاً, ولكن الصمت في هذه الحالات فضيلة أنت مأجور عليها والإفتاء بما لا تعلم جريمة أنت محاسب عليها، نعم بوسعك أن تجيب بأي شئ أو أن تجيب بشئٍ ضئيلٍ تعرفه, ولكنه حتماً لا يضاهي مشورة طبيب مختص يمتلك كامل وسائل التشخيص التي لا تتوفر إلا بالمستشفيات, ولابد أن تلاحظ هنا أنني أتحدث عن أمور صعبة وقرارات مصيرية, مما لا يعيه الكثيرون ممن حولنا أن سنين دراستنا الست والسابعة تتبعهم أيضاً ليست سوى قاعدة أساسية تُعد للبناء فوقها، و خاصة السنين الثلاث الأولى وعندما كنت في تلك المرحلة لم تكن تغضبني جملة أكثر من قول أحدهم : ( ثلاث سنين دراسة ولم تتمكني من وصف دواء ! ) هذا تشكيك ظاهر بالقدرات وتحطيم بَيّن للمعنويات و أي دواء أصفه الآن ؟ .
هؤلاء لا أجد إجابة عليهم أوجز وأفحم من قول العليم : ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً ) فالعلوم بحار، وبحرنا واسع جداً، و دروبنا طويلة فمن المستهجن والمضحك أيضاً أن يسألك أحدهم عن المحيط ,وأنت مازلت بالقرب من الشاطئ فالإبحار وحده لا يعني الوصول نحن مرتحلون إلى نهاية لا وجود لها, ومازلنا في أول الطريق نعم نحن نملك علماً زاخراً ولكن مازالت خبراتنا ندية على أن نستخدمها,أو أن نفتي بها في صحة البشر فالصحة أمرٌ عظيم لا يجوز فيها اللهو ولا التجربة, يقول جلّ وعلا : ( ولاتلقوا بأيديكم إلى التهلكة) هنا يستأمننا الله على أنفسنا فكيف سيكون إستئمانه على غيرنا وعلى أرواحهم وصحتهم, لابد وأنها أمانة عظيمة ومُغلّظة تستوجب الحرص الشديد والإفراط في محاسبة النفس ومراقبتها, هذه الإجابات والإفتاءات لا يمكن قطعاً أن تصنع شأناً لمن لا شأن له أصلاً، والأخطاء فيها لاتغتفر ولا يُتجاوز عنها كما لو أنها كبوة جواد لأنك حقيقةً لست ولم تصبح جواداً بعد, أنتَ مُلام وإن كانت نيتك صحيحة وصادقة, اللهم ارزقنا النية الخالصة حتى نقدم العون والمساعدة في حدود ما نستطيع, ونسألك أن تعيننا على ذلك اللهم وفقنا للخير وانفعنا بما علمتنا وأنبتنا نباتاً حسناً, في ظل العلم والتعلم وألهمنا الصواب واجعلنا وسيلتك في شفاء عبادك وسخرنا لهم يا شافي يامعافي .
مقال يصف موقف لا أظن أنه لم يمر ع كل طلبة الطب ..
موقف لا يحسد عليه طالب الطب..
أهنئيك ديما على النضج الذي لمسته بالمقال …وعلى النظره للموضوع من كذا جانب ولم تأخذك انحياز كونك طالبة طب ….
استمري ونحن لك متابعين…
سلمت اناملك يا ديما .. مقال رائع يصف مانعانيه 🙁
في انتظار المزيد 🙂
إنها تلك الصورة و ذاك الموقع الذي يضعوننا فيه لمجرد أننا اخترنا مهنة مقدسة
وتضع علينا الكثير من الضغوط أهمها ماذكرتيه فأنت طبيبة مذ قررتي دخول كلية الطب ..
ثم تأتي صورتك كقدوة الخطأ منها مستنكر..
والأجدر أن يكون تعاملنا مع هذا الإطار الذي يضعوننا فيه بكل وضوح و صراحة -كما وصفتيه هنا بالضبط و أجدتي الوصف و التعبير
تحياتي لكِ و لأسلوبك الجميل.. ^^
آمين يا رب العالمين !
مقال جميل جدا و اسلوب ممتع و مشد يصف حال طلبة الطب في كل مكان و زمان على ما أعتقد!
دمتي يا ديما 🙂
هذا المقال يجسد واقعي خاصة في الظروف الراهنة كان الله في عوني ،،،،المقال أكثر من رائع إستمري يادفدف❤❤❤❤
كتبتي فأجدتي .. ديما
حروفك الصادقه نسجت لنا مقال رائع استمتعت كثيرا بقرائته
دمتِ مبدعه
حالنا مع المجتمع .. كان الله في عوننا .. احسنتِ .. ومن مقال الى مقال ان شالله
رائعه يا ديما .. سلمت أناملك .. بالتوفيق
هاأنا أقرأ مقالا لطبيبا ناصحا … هذا هو الطب وهذه أخلاقيات الطبيب … ذكرتي أكثر المواضيع حساسية في مجتمعنا وألهمتي الصواب … بداية جيده وموفقه عزيزتي ديما
“وما اوتيتم من العلم إلا قليلا “.
حروف اتقنت رسم ملامح واقع .. يجهله من لم يعشه !!..
استمري فالعطاء وانظري بين خطواتك ستجدي بينها مطبات
منها ستتعلمي بان تكوني واثقه الخطا في رسم حروفك وصنع قرارتك
فخوره بما احتضنته يدك ..
مقال جدا رائع ويجسد واقعنا
سلمت اناميلك ديما 🙂
فوزيه ، بشاير ،دعاء ، سعاد ، خلود ، هيفا ، نورا ، نورة ، منال ، أميره ، ربى شكراً لكم…
سررت بردودكم وتعليقاتكم … ممتنة جداً لكم…
“فمن المستهجن والمضحك أيضاً أن يسألك أحدهم عن المحيط ,وأنت مازلت بالقرب من الشاطئ”
مقال رائع و أسلوب موضوعي سلس , لبداية جميلة و ندية
بورك قلمك أختي ديمة
🙂
ممتنة لنادي الكتاب الذي جمعني بكِ أختي هالة…..سعيدة بمعرفتك وتعليقك
ديمة .. كتبتي فأجدتي تطويع القلم وإرضاخ الحرف لابداعك
راقني تناولك لجوانب المشكلة التي عانينا ومازلنا نعاني منها يوما تلو الاخر
نصبونا استشاريين لجميع التخصات الطبية منذ السنة الاولى ورغم محاولة ايضاح الصورهـ الا انه لايزال اصرار قناعاتهم ديدنهم
بورك قلمك واتوق لليوم الذي سأجدك فيه استشارية من احد اروع كاتباتنا السعودياات :”)
بدايه موفقه ديما ..
كتبتي فابدعتي بوركتي ..
وصف دقيق لما مررنا به
فالتجريح لا يزال مستمر رغم شرحنا المستمر
للاسف بعض العقول اجادت استخدام الطاقات السلبيه و اجادت نشرها اكثر من الايجابية
احببت كتابتك يا ديما
♥توما ، منيره ، أماااااني … شكرررراً جزززيلاً
مقال رائع بمعنى الكلمة استمري امكن يوم اقول اتنبات انها تكون كاتبة كبيرة من زمااان 🙂
شكراً أخي محمد…سعدت بنبؤتك
خير جواب البنادول