الكاتب : عبد العزيز بوقس
كثير من الناس لا يعترف ولا يقر بمبدأ التكامل في الحياة , فلا يقر بأنه لا غنى للمهندس على النجار , و للنجار عن المعلم , و للمعلم عن الطبيب , و للطبيب عن عامل النظافة , فقد خلق الله عز و جل العباد أشكالا و ألوانا و أمزجة , ليكمل بعضنا بعضا ,و يعين أحدنا الآخر و يخدمه , و بهذا تكتمل لوحة الحياة وظيفياً و من الضروري جدا أن ننظر إلى عالمنا الطب من نافذة هذا المبدأ , و إلا سيفقد العالم الطبي اتزانه , وينشأ بما يسمى بـ ( متلازمة التعصب ) المقيتة , و هو ما سأتحدث عنه في هذه الأسطر .
– تبدأ هذه المتلازمة من سنوات الجامعة , عندما يحس الطالب أنه يميل إلى إحدى التخصصات , فيبدأ بالمنافحة عنه و الذب عن حماه بحق أو بدون حق , كما أن لبعض الأساتذة هداهم الله يد في إشعال هذه النار في نفس الطالب , فتلمس هذا التعصب , كلما فتح نقاش بين الطلاب يمس هذا الجانب .
– يتخرج الطالب من جامعته , و يلتحق ببرنامج التخصص الذي أحبه , ثم تبدأ المسيرة , مسيرة التخصص , ومسيرة التعصب , يكبر الطبيب في تخصصه , و يكبر معه تعصبه , و يبدأ مبدأ التكامل في الحياة بالاختفاء من أجندة عقله و ناقوس فكره شيئا فشيئا , و طوال مسيرته , ترى العجب العجاب من تصرفات هذا الطبيب و أخلاقياته نتيجة لهذا التعصب .
– فالغرور يملؤه من رأسه حتى أخمص قدميه , غرور بنفسه و غرور بتخصصه , فيظن الجراح أن يده هي المنقذة الشافية , و يظن الباطني أن رأيه هو الصواب الذي لا يحتمل الخطأ و أن رأي غيره هو الخطأ الذي لا يحتمل الصواب, كما يظن أن تخصصه هو الطب كله , و أن التخصصات الأخرى ” اكسسوار” لمجاله .
– يكبر الغرور , فيولد الاحتقار , و معها العصرية , و المحصلة : تنتهي روح التعاون و يقتل مبدأ التكامل ,و تنتحر الإنسانية , فيفقد العالم الطبي اتزانه , و الضحية الأبدية لهذا كله : هو المريض المسكين , و كم من الحالات التي رأيناها بأعيننا و أبكتنا كثيرا , ذهب ضحيتها المريض , و كانت نتاجا لهذا التعصب المقيت .
لم تكن السطور السابقة بكاء على الأطلال, بل لنتعاون جميعا للوقوف في وجه هذا التعصب , و مكافحة هذه المتلازمة بأن نرى أنفسنا مكملين لبعضنا بتخصصنا, بنظرات تملؤها الاحترام و يعود العالم الطبي متزنا , متكاملا و يشعر المريض بالأمان و أخيراً أشرّ الأطباء من يلقي بإنسانية الطب جانبا .