الكاتب : عبدالحميد البرّاق الحازمي
تتطاير السّعادة في ربوعِ البيت , الفرح يشغلُ حيّز القلب , و أحلامٌ تستعدُّ لكي تُزّف على منصة التخرج ! ما إن تخرجُ شهادة الثانوية العامة مُذيلة بتقدير ( ممتاز ) , حتى يبدأ الطالب برسم ملامح مستقبلٍ يزينه بزخارف الأمل , تستقبله الأم فرحة و الأب مفتخر , و الإخوة ما بين الإثنين يباركون, على طاولة عشاء التخرج , تتناقش العائلة مستقبل المُحتفى به , هو فرحٌ بوجبته – المسكين – أكثر من إدراكه لأهمية هذا النقاش , و ما يحويه من ” أكلاتٍ ” مصيرية ! ( المُعدل العالي يستوجب التخصص العالي ) ,هذا ما يرسمه المجتمع , و يزينه الوالدان لابنهما و – بالذات إن كان أحدهما أو أحد الأقارب طبيبًا – ,و أحلام ” الــ د ” و بعض الغرور كافيان بوضع اللمسات الأخيرة على مستقبل الابن ” المُغرر به ” , الولد يفكّر , يحسبها ” حبّة حبّة ” , المكانة الراقية في المجتمع , المرتّب العالي , و وعد الأهل بخِطبةٍ له , و سيارة ” آخر موديل ” , لا مشكلة , نستأسد , نواجه مقررّات الطب حتى ” لو ايش ” ! .
دراسة الطبّ ليست لعبة ” بلاي ستيشن ” بإمكانك إعادة المحاولة من جديد كلما خسرت , الطبّ عُزلة ٌ متزنة , و اجتهادٌ متواصل , و كدحٌ لا يحتمل الراحة و الاستكانة الطويلة , الطبّ صبرٌ و تضحية بالكثير , من وقتٍ و أسرةٍ و نزهاتٍ و علاقاتٍ و غيرها , البعضُ يتناسى هذه الحقيقة , يقعُ في طُعم إغراءات المستقبل , و ينسى أن الفردوسَ الموعود بالطرفِ الآخرِ من المحيط ! ينهار تدريجيا مع تقدم الأشهر , و صعوبة المواد , و قلّة الصبر و عدم التأقلم السريع و المرونة الكافية مع ما تتطلبه هذه الكليّة من ” استثناءات ” , ناهيكم عن الضغوطِ المتواصلة من الأهلِ و المجتمع , و ” استفحالهم ” بعقدِ المقارنات : و الله فلان معدله أحسن منك كيف ؟! لازم تشد حيلك أكثر ليش ما تذاكر كويس , عيب عليك انت ولد الدكتور فلان , لازم تصير زي أبوك , و يبدأ نذيرُ الانهيار يتخلل في نفس الطالب .
التوعية القليلة,التقليد,و تزيين المُستقبل دون التنبيه بوعورة الطريق,و متطلباتِ دراسة الطب ,أحد أهم أسباب تدّني مستوى الكثير من طلاب الطبّ , عدا عن تغيير التخصص للبعض الآخر , دون أن ننسى الدور المهم للمجتمع و الأقارب في “الضغط الغير مقصود ربما” على الطالب للالتحاق بكلية الطبّ أسوةً بأبٍ أو قريب,فالمواهبُ لا تُورّث دائمًا,و ليس كل فرخ بطٍّ عوّام .