الكاتبة: إخلاص الصاعدي
أشعرت يوما بالضيقِ و واسيتَ نفسَك بأنك ستكون قريباً أسعدَ ما إن تفعل كذا و كذا ؟ . ألا تشعرُ أحياناً بأنك قد وقعت في حلقةِ انتظارٍ مفرغة ؟ بدءاً من انتظارِكَ لعطلة الأسبوع بلهفةٍ، مروراً باختبارك القادم ثم نهاية سنتك الدراسيّة, و الله وحده يعلم ماذا ستنتظر بعد ألا ترى معيَ أنها سلسلةٌ طويلةٌ من الانتظارِ المملِ, و التي تستحق معها أن تأخذ نفساً عميقاً و تستمتع قليلاً بوضعك الراهن, أن تتقبله على علّاته و تنظر بعينك الأخرى الكليلةِ لترى ما فيه من مميزات, قد تكون مجرد طالبِ طبٍ آخر غارق بين أكوامِ كتبٍ، قائمةِ مهامٍ أبعدُ ما تكونُ عن الانتهاءِ، محطاتِ جردٍ و تصفيةٍ تدعى بهتاناً اختبارات، ثم تنظر من نافذتك بحسرةٍ إلى مشاويرَ حُرِمتها، فتسلّيك و تداعبِ خيالك أحلامٌ بطوليّةٌ في أروقة المشفى بينك و بينها ما بين المشرقِ و المغرب ! و برغمِ هذا و ذاك أنت موفورُ الصحة، هادئ البال، أقلُ حِملاً و تعيش فترةً نادرةً من مهنتك يمكنك فيها ارتكاب الخطأ بلا تثريب.
لِمَ نجعلُ دوماً سعادتنا مشروطة ؟ لِمَ يكون إحساسنا بالفرح معلقاً على حدثٍ ما إن تحقق جازَ الفرح، و إلا فالضيق و الكآبة حتى حينه ؟ ألا يصحُ أن تكون السعادة حالةً شعوريةً ترافقنا طول الطريق، لا مكافأةً للوصول فقط ؟ إن كنت تسعى نحو هدفك و ما زلتَ لم تبلغه, فيكفيك وجودُ ذاك الخاطر الجميل حيّاً في ذهنك، تستدعيه وقتما شئت فيمدّك بالطاقةِ لئلا تفتر همّتك, ما يدريك إن أنت أخيراً نِلتَهُ لم تجِده بالروعةِ التي رسمتها في مخيلتك، فتندم َحينها على أوقاتِ حبورٍ فرطت بها، و ُبغيةٍ خاب أملك فيها، و قد تمضي بعدها تطارد حلماً آخر تاركاً سعادتك قيد الانتظار حتى إشعار آخر, أنت تستحق أن تظل سعيداً غداةً و عشيّةً لأنك كائنٌ رَوحانيٌ بامتيازٍ, طاقتك تنبع من داخِلك فتنعكس خارِجاً, فكيف تنتظر مرجوعاً متميزاً بحقٍ إن كان الداخل خاوياً ؟ أنت لست “آلةً” تعملُ و حين تنجز، تُكافَئُ بالتشحيم و شُحنةِ كهرباء! .
لا شيء يعبر عما أقصده بشكلٍ صارخ ِالوضوح ِكفيلم (Click) شاهدتُه ذات مرةٍ، كان يتخيّل ما سيحصل لو امتلك الإنسان جهازَ تحكُّمٍ يمكّنه من تقديمِ الزمنِ كيفما شاء، فانتهى به الأمر إلى تخطّي المرض، الشجارات و خيبات الأمل متجاوزاً كلّ فتات السعادة في ثناياها، حتّى إذا ما بَلغ ما ينشده أخيراً لم يجد له الطّعمَ الذي تخيلّه ! و هذه نتيجةٌ حتمية, إذ من الطبيعي ألا تُميّز الحلاوة إن لم تذُقِ المرارة قبلها، فنحن لا نجد تعريفاً لبعضِ المفاهيمِ إلا بربطها بمُضادّها، على غرارِ ما يقول الفلاسفة: ما الظلامُ إلا حالةٌ من انعدام النور, هنا تكمُن المشكلة: ” خُلِقَ الإنسَان ُمِن عَجلٍ” ( الأنبياء: ٣٧)، مما قاله الشهيد سيّد قطب في تفسيرِها: “ فالعجلةُ في طبعهِ و تكوينه، و هو يمدُّ بصرَه دائماً إلى ما وراء اللحظةِ الحاضرة، ذلك إلا أن يتّصل بالله فيثبُت و يطمئنَ و يكِل الأمر لله، فلا يتعجّل قضاءه، فالإيمان ثقةٌ و صبرٌ و اطمئنان“, رحلتُك هذه ليست بأقلَ أهميةٍ من أهداِفك، فلحظاتُ الفشلِ تساوي لحظاتَ النجاحِ ضرورةً، بل قد تفوقُها! .
فالأولى تعطيكَ الخبرة و ما الأخرى إلا تشويقةٌ صغيرةٌ لما ينتظرك نهاية المسير, طريقُك هذا حتميٌّ لصقلِ شخصيتك لتلائم الدورَ المنوطَ بها مستقبلياً, أنتَ باستعجالِك هذا تماثلُ طفلَ الخامسةِ الذي عَجزُ أن يفهم لمَ لا يُمكنه قيادة ُسيارةٍ كوالده, فالعملية ليست بِذاك التعقيد! غائباً عنه أن أيّاً من قدراتِه لا تؤهّله على الإطلاق, مزيداً من النضجِ يا بُنيّ, فكّروا بحياتِكُم كخطِّ سيرِ حافلة, طريقٌ طويلٌ و عدةُ محطاتٍ، لكن الفرق الوحيد في هذه الحالةِ أنك لا تملك خريطةَ سيرِ الحافلةِ و لا مواعيدَها, و لا تتمكن من النظرِ إلى الطريقِ من مَسقَطٍ رأسيّ، بل كل ما يُمكِنك أن تراه هو المحطةُ القادمةُ فقط, فكيفَ يمكنك الحكمُ بعلمِك المحدودِ هذا على ما إذا تأخرت الحافلةُ أم أتت في وقتها المناسبِ تماماً ؟ كيف يمكنُك أن تعرف أيُّ تحوّلات الطريقِ توصلك لمَقصَدِك؟ طالما أنك لا ترى الصورة الكبرى, فكل ما تستطيع فعله هو أن تمضيَ للوجهةِ التي يتراءى لكَ صحتُها و ثقّ بأن مسيركَ هذا كفيلٌ بكشفِ الأدلةِ التي توضحُ لكَ وجهتَك التالية.
أرجوكم كونوا سعداء أثناء الطّب و قبله و بعده, سعداءِ لأنّكم أنتُم !
يكفيكم – للآن- شرفَ العملِ من أجل قضيةٍ ساميةٍ، هُوَ بنفس شرفِ تحقيقها.