الكاتب : نايف المعجل
إن الأخلاق هي أساس الطب والوعاء الذي أعطاه تلكم المكانة والفضل, وقد كان لأجدادنا من علماء الطب في الإسلام أشد العناية بهذا الأمر فإضافة إلى استنادهم إلى الكتاب والسنة في وضع المبادئ الأساسية لهذه المهنة, والمتمحورة حول كرامة الإنسان وحقه بالحياة والعدل والإحسان، نظروا في مؤلفات من سبقهم من علماء الطب فأنتجوا نتاجاً علمياً لم يسبق له مثيل منذ بداية العمل في المبادئ التوجيهية كالبرديات المصرية حتى عصرهم, وهاهي زيغرد هونكه المستشرقة الألمانية تستهل فصل المشافي في كتابها شمس العرب تسطع على الغرب بالعبارة : مستشفيات مثالية وأطباء لم يرَ العالم لهم مثيلا, فهكذا كانت علومنا مبنية على الأخلاق فسادت لأن الطب والخلق بمثابة الإنسان وعقله.
فمتى تعرَّى الطب عن الخُلُق الحميد فكأنما تجرد الإنسان من عقله، ولك أن تتصور إلى أي مدى يمكن أن تكون العواقب السيئة والوهاد السحيقة في عالم الطب، بمثل ما يمكن أن نتصوره من إنسان غُطي عقله ثم أُفْلِتَ زمامه وفُكَّ قياده, وبيده ما بيده من آلة حادة أو قاتلة ثم صار يهيم على وجهه !! .
إن الطب علم وفن، موضوعهما علاج المرض أو منعه، وكلاهما أعني – العلم والفن- إن لم يحاطا بالأخلاق تحوَّل الأول: إلى سباق تسلُّح يدمر الكرة الأرضية عدداً من المرات، وتحَّول الثاني : إلى سباق تهتُّك يزري بالبشرية لتهوي إلى مستوى الطبقة الدنيا من المخلوقات, من هنا كانت أهمية أخلاق الطب, إن أخلاقيات الطب ليست مجرد بروتوكولات – كما تعرض للأسف – تتعلق بأخذ الإذن وإبلاغ المريض الخبر السيئ، بل هي سلوك بشري راق على الطبيب أن يسلكه خلال عمله وتعامله مع من حوله مريضا أو زميلا أو مرافقا أو حتى زائراً, أخلاق الطب يجب أن تبدأ من اليوم الأول للطالب في دراسته وحتى تخرجه تلقينا وامتثالا وعلى علماء الطب أن يتنبهوا لهذه النقطة المهمة بل المفصلية في هذا العلم الجليل.