الكاتبة : ديما الشافي
تقول الفطرة قبل العقل والمنطق أن السلعة إذا كثرت قلت قيمتها, وأن الرجل لو عاش في الظلام أبداً فإنه سينسى معنى النور وأن الصعاب لا تعود صعاباً إذا لازمتنا في كل حين, ولكن الحق أننا نعيش على خلاف ذلك، فمع كل تلك المبادئ التي تلقيناها صغاراً وتيقنّا منها كباراً ، هل اختفت هيبة الإختبارات لدينا ! أم هل تضاءل وقعها على أنفسنا! “لا أعتقد ذلك” لماذا وعلى الرغم من كثرتها فإنها وحتى الآن لم تصبح مبتذلة ولا رخيصة, لماذا لم نعتاد عليها حتى الآن ؟ هل للخوف من العاقبة دور في ذلك ؟! أسئلة كثيرة تراودني والتي وإن طرحناها فإنها ستجعلنا نتساءل من جديد هل من المصدّق فعلاً أن تكون “الاختبارات” طفرة وشذوذ عن القاعدة السابقة؟؟ أم أن القاعدة لم تكن صائبة أساساً ! .
لا أعلم كم اختباراً قد اختبرت في حياتي ويصعب أن أتخيل أيضاً كم تقتص الاختبارات من أعمارنا, ولكن لابد وأنها تعادل عدة سنين مجتمعة معاً وأن مجرد التفكير في حصرها يعد ضرباً من المستحيل كيف لا ! ,وهي في كثرتها أصبحت كالنجوم ، لا تعد ولا تحصى -والتي وإن حاولت- فسيلتبس عليك الأمر أيها أحصيت وأيها لم تحصي وخصوصاً في أجيالنا – المغلوب على أمرها – والتي لم تعرف معنىً للتقييم المستمر, ولا حتى عندما كنّا براعماً في سنوات دراستنا الأولى فشربنا من كأس الإختبارات مراراَ ولاقينا منها نصباً وكبداً وعناءً, فجربنا كل طرقها وأساليبها والتي قد تختلف أيضاً باختلاف مواضعها, فكان منها الحتمي والمصيري – كاختبارات التوجيهي والقدرات – ومنها الروتيني ذو تحصيل الحاصل، إلا أن هيبتها وعظمتها والخوف والرهبة منها كان واحداً دائماً صامداً لا يتغير.
لابد وأننا لاحظنا جميعاً أنه إذا اقترب موسم الاختبارات ومع ازدياد الضغط النفسي يعيش أغلب الطلاب طقوساً غريبة وعادات مستنكرة, فتقلقهم وتهيج بهم وتثير شيئاً ما فيهم، يكون قادراً بدوره على تفجير الطاقات الكامنة في دواخلهم فتسود مواهبهم وربما تظهر قريحة مستحدثة لا تأتي دائماً, فنرى بعضهم يكتب شعراً وآخر يرسم وثالث يصور والبعض الآخر يجد ملاذاً لنفسه خارج المنزل وهناك من يُسخر وقته للتلفزيون ومتابعة برامج ربما لاتهمه في أوقات أخرى, وأبسطهم هو من يبحث عن راحة لا يجدها إلا في نوم متواصل قد لا يقطعه سوى الجوع أو العطش ليكون ذلك أضعف الإيمان, وأيضاً لا يخفى على أحد كيف يفتتن الجميع بالمواقع الاجتماعية، فيقبلون عليها بنهم ويصبح لها لذةً خاصة تحتكرها هذه الأيام فقط, فتمتلئ المواقع بهم وهم بالمقابل يثرونها بالأحداث الجديدة حتى تشتد جاذبيتها و رونقها وتزداد المتعة منها فينقضون عليها بجدية عجيبة قد تعتقد بأنها ستثمر بحلول قاطعة لقضايا المجتمع والعالم كافة, فضلاً عن قائمة أعلم يقيناً بأن ليس بيننا من لم يكتب مثلها في يوم من الأيام, والتي تحوي خططاً غير منقطعة النظير وأحلاماً تعانق حدود السماء للفترة التي تلي الإختبار ثم قد نخذلها فلا ننفذ منها شيئاً بعد ذلك.
والأسوأ من ذلك جميعاً وأبشعه عاقبه هو من تسوء أخلاقه وتثور عصبيته فيثأر للاختبار من أهله وأصحابه, فيستسلم لشراك نفسه و يهلك بسببها ولكن الآن ما عاد يغيب عن إدراكنا بأن الإختبارات أصبحت جزءً لا يتجزأ من حياتنا وأن القادم منها أكثر, والمسؤوليات التي تنتظرنا عظامٌ جسام ، وأن المستقبل الذي أمامنا سيسخر حتماً من الإختبارات التي نواجهها في هذه الأيام, وما عاد يصح أبداً أن نرفع لافتة “مع وقف التنفيذ” على جدار حياتنا في وقت الاختبار بعد الآن، ما دامت حياتنا كلها اختبارات ولذلك فقد آن الأوان لكي نسيطير على أنفسنا وأن نحاول جاهدين وبشق الأنفس, أن نجعل من الاختبارات نمط حياة -لا استهتاراً وإنما تعايشاً- وأن لا نسمح لها أن تسيرنا كيفما تشاء وأن نجبرها على أن تكف أيديها عنا وعن حياتنا, حتى تسير أيامنا كموجة واحدة وهادئة تحركها نسائم لطيفة بعيداً عن العواصف والأعاصير.
كما أن المذاكرة المستمرة هي علاج فعال للتخفيف من حدة أعراض فترة ما قبل الإمتحان, وأيضاً يجب أن نتسلح ضدها بالصبر وأن نستعين بالله عليها, حتى نتمكن من السيطرة على زمام الحياة بقلب قوي يدني ويذلل من قيمتها، وأن نعمل بجد وباستمرار إلى أن يأتي اليوم الذي نصل فيه للمرحلة التي نغلق بها الكتاب في ليلة الإمتحان, وأن ننام قانعين و واثقين نوماً مبكراً وعميقاً وأن نحلم أحلاماً سعيدة, وهنيئاً لمن سيصل إلى تلك المرحلة.