د.بندر: نحتاج للغة الانجليزية لأننا مازلنا في طور التلقي والاكتساب
مجلة نبض (سامي الرشيدي) : تستكمل نبض لقاءاتها مع المهتمين حول موضوع تعريب المناهج الطبية ودراسة العلوم الطبية باللغة العربية . حيث كان لقاءنا السابق مع أ.د.حسن الزهراني . واليوم تستضيف نبض د.بندر سليمان عضو هيئة التدريس بجامعة طيبة بالمدينة المنورة و عضو الجمعية الأمريكية لعلوم الأمراض الإكلينيكية و عضو الإتحاد الأوروبي لأبحاث السرطان. حيث دار معه الحوار التالي:
١) من الملاحظ مؤخراً تراجع استخدام اللغة العربية ٬ وإدماجها بمفردات أجنبية . برأيك مالأسباب وراء ذلك ؟
اللغة في الأصل هي مجموعة من المفردات المركبّة بواسطة مجموعة من الرموز المعروفة في محيط أو مجتمع معيّن تسمى بالحروف ٬ لتكوين وسيلة اتصال عملية أسرع من الكتابة والنحت والرسم وخلافها . وغالباً ما يرتبط تعلّم اللغة عند مجموعة معينة من الناس بسبب العلم أو المعرفة التي اشتهروا بها . أما في وقتنا الحاضر فقد أثبت الغرب تفوقهم في جميع مجالات العلوم بلا استثناء – للأسف – ولم يبقى للغة العربية سوى ميزة تعليم القرآن الكريم والسيرة النبويّة المطهّرة لغير الناطقين بها . ولذلك امتلأت اللغة العربية بالمصطلحات الإنجليزية (الغير علمية أحياناً) لكثرة العرب الذين تعلموا اللغة الإنجليزية للوصول إلى أنواع العلوم والمعرفة التي لم يجدوها في كنف لغتهم العربية .
وبالنسبة للطب فلو رجعنا في التاريخ لوجدنا أن أول من قام بتفصيل عملية تكوّن الأمراض التي تصيب الإنسان والطريقة التي يجب اتباعها لعلاج تلك الأمراض هو ابو الطب “أبقراط” اليوناني [١] . ولأنه كان أول من دوّن كتباً وملاحظات طبية فقد امتلأت الكتب والمصطلحات الطبية الحديثة بالكلمات اللاتينية (اليونانية) . وبعد الثورة الصناعية تطوّر مفهوم الطب التقليدي المعتمد على الأعشاب والمواد الكيميائية البسيطة إلى ثورة علمية تقوم بالكامل على الأبحاث الطبية وعلى التجارب المعملية [٢] . ولأن أكثر الشعوب قياماً بهذه التجارب والأبحاث هم الأمريكيون والبريطانيون [٣] ، فقد وصلتنا كتب الطب الحديث جميعها بلا استثناء بلغتهم الأم : اللغة الإنجليزية ، لأنها كانت نتاج خبراتهم وملاحظاتهم وماقاموا به من أبحاث وتجارب فهي في الأصل كتبهم التي أرادوا أن يعلمّوا بها أنفسهم وأجيالهم القادمة .
٢) فكرة تعريب العلوم كانت مقترحة من قبل ، فلم أصبحت الفكرة أكثر رواجاً مؤخراً ، ومتبنيين الفكرة أكثر إصراراً ؟
فكرة تعريب العلوم بشكل عام والعلوم الطبية بشكل خاص ليست حديثة ، فقد تم تأسيس مركز تعريب العلوم الصحية بقرار من مجلس وزراء الصحة العرب في عام ١٩٨٠م [٤] لتكوين قاعدة يمكن الانطلاق منها في توحيد استخدام المصطلحات الطبية العربية ، فالمصطلحات العلمية هي الأساس في أي علم أو مهنة . وبسبب الزيادة العددية للعرب الدارسين في الخارج خصوصاً من الخليج فقد أصبحت مسألة التعريب أكثر إلحاحاً من ذي قبل لأسباب عديدة . منها على سبيل المثال لا الحصر ، نزوح الكثير من الدارسين بعد إكمال دراستهم لتلك البلدان التي درسوا فيها غالباً فقد تأقلموا مع طبيعة العيش والعمل هناك.
٣) من خبرتكم في مجال التعليم الطبي ، ماهو انطباعكم عن العملية التعليمية الحالية ؟
تقوم العملية التعليمية في الوقت الراهن في الكليات الصحية الخليجية على أساس اللغة الإنجليزية لأسباب عديدة ، منها أن تعلّم أي لغة للحصول على علم نافع مشروع ، ولأنها أيضاً لغة العلم الحديث التي نستطيع أن نجد مرجعاً لأي علم يخطر على بالنا في مراجعها ومكتباتها ، ومنها وجود الكثير من الكوادر الأجنبية التي تقوم بالتدريس والتدريب في المجال الصحي وغيرها من الأسباب الجوهرية . ولايعيب هذه العملية أي شيئ في الوقت الحالي لأننا مازلنا في طور التلقي والإكتساب من المهارات والعلوم الغربية ، ولكننا سنحتاج في المستقبل القريب إلى الكثير من المراجع الطبية العربية سواءً الإليكترونية أوالمطبوعة لكي تسهّل عملية تعلّم العلوم الطبية الأساسية بطريقة سهلة ورخيصة . ولن يتم هذا إلا في وجود مبادرة جادّة لإثراء المحتوى العربي العلمي بشكل عام والطبيّ بشكل خاص وذلك بزيادة الحوافز التعليمية أو الماديّة .
٤) مافكرتكم عن تجارب التدريس باللغات الأم حول العالم ؟
رغم تقدّم بعض الدول في العديد من مجالات العلوم والمعرفة ، فإنها مازالت تستخدم اللغة الإنجليزية كلغة رسمية ثانية بعد لغتها الأم للدراسة والتعليم كأسبانيا وفرنسا واليونان والسويد والصين وكوريا وغيرها . غير أن بعض الدول مازالت تحاول تحوير التعليم ليصبح بلغتها الأم كروسيا وألمانيا واليابان لكنها في الأساس من أقوى الدول الصناعية والمنتجة والتي تنفق على التعليم والأبحاث العلمية الجزء الوفير من ميزانياتها السنوية . ولذلك كان من الأولى لمثل هذه الدول أن تقوم بتحوير التعليم ليصبح بلغتها الأم ومن ثم اجتذاب الدراسين من شتى بقاع الأرض ليكملوا دراستهم عندهم . ففي ألمانيا مثلاً ، تصبح دراسة التخصصات الطبية مجانية في بعض الجامعات الحكومية إذا ما قررت إكمال الدراسة باللغة الألمانية واجتزت اختبار اللغة المحدد . وفي اليابان ليست الدراسة مجانية وحسب ، بل ويتم صرف مكافأة شهرية لكل باحث وطالب في الدراسات العليا إذا ما اجتاز اختبار الكفاءة اللغوية اليابانية .
٥) ماهي مقترحاتكم لتطبيق الفكره بشكل واقعي ؟
إذا علمنا أن الطب بدأ على يد اليونانيين وعلمنا لماذا امتلأت كتب الطب بالكلمات اليونانية فيجب أن نعلم أن تسمية أيّ شيء هي حق لصاحبه أو مخترعه . وقد قام العالم والفيلسوف الأمريكي تشارلز بيرس بتأكيد هذا المبدأ في أحد أبحاثه [٥] الذي تبنته إدارة البحوث في جامعة جونز هوبكنز ومن ثم أصبح المبدئ الرسمي في قبول التسميات لأي اختراع أو اكتشاف إلى يومنا الحاضر في الولايلات المتحدة الأمريكية. وبناءً عليه ، فإن تعريب المصطلحات الطبية إطلاقاً وعدم إبقاء الأصل اللاتيني لها غير مجدٍ في وجهة نظري الشخصية لأسباب لعلّي أذكر بعضها:
• عدم ملائمة بيئة العمل الطبية الحالية في دول الخليج العربي بشكل عامّ لمن يحفظ المصطلحات الطبية العربية فقط دون الإنجليزية ، مثال في قسم الطوارئ:
- أخصائي الطوارئ “هناك كسر في الكُعْبُرة اليمنى” Radius
- أخصائي المختبر “الخِضَاب منخفض للغاية” Hemoglobin
- أخصائي التمريض “يجب أن نقوم بعملية بزْلُ الجنْبة بسرعة” pleurocentesis
- أخصائي الأشعة “الأشعة تثبت وجود سُحارٌ سِيليسِيّ” Silicosis
فباقي الطاقم الطبي العامل في قسم الطوارئ سوف ينظرون بكل دهشة واستغراب لأصحابنا هؤلاء دون معرفة مايعنونه ، في لحظات قد تكون حرجة للغاية بالنسبة لحياة المريض .
• وجود الكثير من الكوادر الأجنبية التي تقوم بالتدريس والتدريب في المجال الصحي دون الإلمام باللغة العربية ناهيك عن المصطلحات الطبية العربية .
• وجود فجوة كبيرة جداً بين خريجي الطب العربي ونظرائهم في باقي دول العالم من حيث إكمال الدراسة والتدريب للحصول على الزمالة والشهادات العالية في التخصصات المختلفة بسبب عائق اللغة .
• إعتماد كثير من مراكز الأبحاث والنشر للغة الإنجليزية كلغة معتمدة في النشر والطباعة ، حتى لو كان الناشر من دولة ليست الإنجليزية لغتها الأصلية .
٦) كلمة أخيرة,,
أؤمن تماماً بأنه يجب علينا الحفاظ على هويتنا العربية والإسلامية ولكننا في الوقت الحالي نحتاج للغة الإنجليزية في سبيل الوصول لكثير من العلوم الحديثة ، بل ويجب علينا الإلمام بكل علم على أساس مصطلحاته الأصلية . وحتى تصل الفكرة كاملة للقارئ الكريم ، فكلمة “عظم” (bone) يمكن تعريبها والإستغناء تماماً عن مرادفها الإنجليزي لأنها كلمة معروفة بالضرورة ويستطيع الجميع فهمها باستثناء الممارسين الصحيين غير العرب . أما كلمة “البالعة السنخية” (Macrophage) فيجب ترجمتها ترجمة حرفية لا معنوية ، فيصبح تعريبها هكذا “ماكروفاج” لأن هذا هو الأصل في التسمية ، فنحن لم نعرف الماكروفاج قبل أن يكتشفها الطبيب البيطري الروسي ميكانيكوف عام ١٨٨٢م [٩] . وللعلم فإن أسلوب الترجمة الحرفية متبّع في الوسط الأكاديمي والعلمي الغربي فمثلاً كلمة “حجاب” نراها كثيراً تترجم حرفياً إلى كثيرٍ من اللغات ومنها الإنجليزية (Hijab) [١٠]
وفي الختام ، فإن الأصل في تعلّم الطب هو تعلّم الأساليب والطرق التي نستطيع بها أن نقلب كفّة التفوق الطب الغربي ليصبح في متناول أيدينا ، فتعلّم المصطلحات الطبية الحالية كما هي باللغة الإنجليزية هو بداية الطريق لبناء صرح إسلامي وعربي من العلم والمعرفة نستطيع من خلاله – بحول الله تعالى – أن نسمّي ونطلق الأسماء العربية الفصيحة على اكتشافاتنا واختراعاتنا في المستقبل القريب بحول الله تعالى . ولنا في علم الفلك عبرة للمعتبرين [١١] (هل تعلم أن الغالبية العظمى من أسماء النجوم عربية الأصل ، لماذا برأيك؟) .
المراجع:
1. Grammaticos, P.C. and A. Diamantis, Useful known and unknown views of the father of modern medicine, Hippocrates and his teacher Democritus. Hellenic Journal of Nuclear Medicine, 2008. 11(1): p. 2-4.
2. Cooper, P., Christmas-Medicinal properties of body parts. Pharmaceutical Journal, 2004. 273(7330): p. 900-902.
3. Science Watch, Tracking trends & performance in basic research, 2009, Thomson Reuters.
4. Arbization Center for Medical Sciences. Available from: http://www.acmls.org/Center/acml%20background.htm.
5. Peirce, C.S., Collected Papers of Charles Sanders Peirce: Pragmaticisms and Pragnoaticism, Scientific Metaphysics. Vol. 5. 1935: Belknap Pr.
6. Gurry, F., World Patent Report, a statistical review, 2008, World Intellectual Property Organization.
7. Lee, Y., et al., The nuclear RNase III Drosha initiates microRNA processing. Nature, 2003. 425(6956): p. 415-419.
8. Albagli, O., et al., The BTB/POZ domain: a new protein-protein interaction motif common to DNA-and actin-binding proteins. Cell growth & differentiation: the molecular biology journal of the American Association for Cancer Research, 1995. 6(9): p. 1193.
9. Schmalstieg Jr, F.C. and A.S. Goldman, Ilya Ilich Metchnikoff (1845–1915) and Paul Ehrlich (1854–1915): the Centennial of the 1908 Nobel Prize in Physiology or Medicine. Journal of Medical Biography, 2008. 16(2): p. 96-104.
10. Blake, J., Muslim women uncover myths about the hijab, in CNN U.S.2009, Cable News Network.
11. Wikipedia. List of Arabic star names. 2011; Available from: http://en.wikipedia.org/wiki/List_of_Arabic_star_names.
أشكر الدكتور بندر على الإضاءات اللافتة التي أضافها لهذا الموضوع الحيوي