هل تستطيع أن تكون باحثاً طبياً ؟

الكاتب : د.بندر سليمان

تتقدم ثقافة الإنسان ويتطور إلمامه بمختلف الأمور كناتج طبيعي لحياته اليومية والتي تتكون عادةً من عدة أحداث ووقائع ترفع من سقف تفكيره ووعيه وإدراكه .فالإنسان بفطرته مُحبٌ للاستكشاف ومعرفة الأسرار وسبر أغوار الأمور الغريبة والغير اعتيادية. يقول الحق تبارك وتعالى عن أصحاب العقول المفكرة :{وَيَتَفَكَّرونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً} آل عمران-١٩١ ، وقد روي عن أبي الدرداء – رضي الله عنه – أنه قال :[تَفَكُّرُ ساعة خيٌر مِن قِيامِ ليلة].

وتبرز أهمية هذا الإدراك والوعي عند أصحاب التخصصات الدقيقة و المهن العملية المعقدّة ، لأنهم يتعرضون لأحداث وعوارض لاتحدث لغيرهم بالضرورة بسبب طبيعة العمل من ناحية وبسبب عمق الخلفية العلمية التي تتيح لهم ملاحظة بعض الأمور التي تغيب عن الآخرين من ناحية أخرى . ولو استخدمنا المجال الطبي كأنموذج ، فالممارسين الصحيين من أطباء وأخصائيين وباحثين وغيرهم يستطيعون ملاحظة الكثير من المتغيرات (في أعراض المرض أو طريقة الإستجابة لبعض العقاقير أو في نتائج التحاليل الطبية المختلفة) ومن ثم استباط العديد من الأفكار والتساؤلات التي تتولد نتيجة لنقص في كمية المعلومات الطبية المتوفرة في تلك المسألة بالتحديد .

الآن وقد وصلت إلى هذا الحد من القراءة وقد عقلت كل ماتم كتابته في الأعلى ، فأنت أصبحت تعرف ما معنى المصطلح (Evidence Based Medicine) . وهو يعني تسخير الأبحاث الطبية في سبيل تفسير الظواهر والدلائل التي يراها الممارس الطبي في عمله الإكلينيكي لتعود فائدة نتائج تلك الأبحاث على مستوى خدمة المريض في المؤسسات الصحية . ويجدر بنا أن نذكر أن هذه المسألة تختص بالمجال الإكلينيكي فقط ، وإلاّ فمثلاً يمكن أن ندفع المبالغ الطائلة ونسهر الأيام والليالي لنتمكن من معرفة الشفرة الجينية التي تسبب كثافة تكلّس الأسنان (لتصبح أكثر بياضاً) ولكن يمكننا أيضاً تسخير نفس تلك الإمكانيات في محاولة معرفة الشفرة الوراثية التي تفقد الخلية العضلية حساسيتها للإنسولين (Diabetes-type 2) .

وقد تكون كلا الشفرتين الوراثتين مهمتين في وسط طبي ذو خبرة علمية وبحثية كبيرة وبوجود ميزانية بحثية جبّارة كما في العالم الغربي ، أمّا الآن وبالنسبة لنا فالآمال متعلقة بجيل الأطباء والأخصائيين الصحيين الصاعد الذين نرجو منهم تفعيل خاصية الملاحظة والإستنباط في عملهم اليومي وفي حياتهم الاعتيادية لنخرج بمردود بحثي يعود بفائدة سريعة المدى . فمتى ما استخدم الممارس الصحي حواسه كاملة في محاولة تفسير كل صغيرة وكبيرة في عالمه الإكلينيكي الخاص به ، فأنا أضمن لكم – بحول الله تعالى – بأننا سنخرج بجيل من الأطباء والأخصائيين الصحيين الذين سيسجلون ملاحظاتهم وأفكارهم الطبية ليتم ترجمتها على أيدي علماء الطب والباحثين لمنتجات وابتكارات يستفيد منها أبناء الوطن وتستفيد منها البشرية جمعاء في المستقبل .

قل لي الآن … ماهي أولى ملاحظاتك الطبية المتخصصة ؟

Exit mobile version