الكاتب : د.بندر سليمان
لقد شرف الله سبحانه وتعالى هذه اللغة التي تقرأها (اللغة العربية) بأن جعلها لغة أكرم كُتُبه ، ولغة خاتم أنبيائه ورُسلِه صلى الله عليه وآله وسلم . يقول الحق تبارك وتعالى عن القرآن الكريم في سورة طه :{وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنَاً عَرَبِيَّاً} (١١٣) ، وفي سورة يوسف :{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} (٢) ، ويصفه في سورة الشعراء بأنه نزل :{بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} (١٩٥) . وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن اللسان العربي شعار الإسلام وأهله ، وقال أيضاً ابن قيّم الجوزيّة رحمه الله: وإنّما يَعْرِفُ فَضْل القرآن مَنْ عرَف كلام العرب . وقد اتفق كبار أئمة السلف وكذلك أصحاب المذاهب الفقهية المعروفة (الإمام مالك والشافعي وأحمد) على كراهية التكلّم بغير العربية إلاّ لحاجة .
وقد كان مِمَّـا يميّز هذه اللغة ، تعدد مخارج حروفها وفصاحة كلماتها للناطق بها المتقن لها . ويتبين ذلك في كيفية الانقلاب التام للمعنى بتغيير حرف واحد في بعض الكلمات (بخيل و نخيل) ، بل وعند تغيير حركة واحدة فقط في بعض الكلمات الأخرى (قِبْلَة و قُبْلَة) .
وقد تناسى الناس في وقتنا هذا تلك الأيات السامية والدلائل العجيبة في اللغة ، وتركوا استخدام كلماتها الفصيحة ومعانيها العميقة واستبدلوها بكلمات تسمى (بالعامِّية) خصوصاً في أرض الحجاز ، بلاد الحرمين ومهبط الوحي ومعقل الإيمان . فنجد أن ثلاثة من الأحرف قد تم تجاهلها بالكلية – إلا من رحم ربي – وهي الثاء والذال والظاء ، حيث تم استبدالها في كلامنا بالتاء و بالدال وبالضاد على وجه الترتيب .
والناظر إلا جُلِّ حواراتنا وطريقة كلامنا يجدها تخلو من أبسط قواعد الإعراب المعروفة كرفع الفاعل ونصب المفعول وكسر المجرور ، بل وأصبح حديثنا عبارة عن مسخ غريب من اللغة العربية ، لو سمعه أحد الأعراب في عصر الإسلام الأول ، لانفرط على نفسه من شدة الضحك . وكي نزيد الصاع صاعين ، أصبحنا ندخل في نفس الجملة الواحدة أكثر من كلمة إنجليزية أو غيرها من سبيل بيان العلم وإيصال مبدأ الرقي والتحضّر .
إن هذه أيها الأحبة الكرام رسالة لكي نحافظ على لغتنا العربية الغراء ، فنحفظ حروفها من الزلل ، ونحفظ كلماتها من الضياع ، ونحفظ دلائلها وحكمها من الاندثار والنسيان . ولا ننسى أن طبيعة عمل الممارسين الصحيين تحتم عليهم الاحتكاك مع الناس والدخول معهم في نقاشات كثيرة ، فهلا استخدمنا مصطلحات لغتنا العربية الفصيحة لنعكس صورة مشرقة لعِلْمنا ولمجالنا ولوطننا .
فَما أَهْوَى سِوى لُغَةٍ سَقاها ،،، قُرَيْشٌ مِنْ بَراعَتِهِمْ شِهادا
أداروا مِنْ سَلاسَتِـهـا رَحـيقاً ،،، وهَـزُّوا مِنْ جَـزالَتِها صِــعـادا
وطَوَّقَــها كِتــابُ اللهِ مَـجْــداً ،،، وَزادَ سَـنا بَـلاغَــتِــها اتِّــقـادا
تَصيـدُ بِسَحْـرِ مَنْطِقِها قُلوباً ،،، تُحــاذِرُ كـالجَـــآذِرِ أَنْ تُصــادا
قَنَتْ حِكَماً رَوائِعَ لَوْ أَعارَتْ ،،، سَناهــا النَّـارَ لَمْ تَـلِدِ الرَّمـادا
سَـرَتْ كالـمُزْنِ يُحْيي كُلَّ أَرْضٍ ،،، ويُبْهِـجُهـا وِهـاداً أَوْ نِجـادا
وَمـا للَّــهْجَةِ الْفُصْحـى فَخــارٌ ،،، إذا لَمْ تَـمْـلإِ الدُّنْيــا رَشـادا
قل لي بالله عليك ، لو تمت دعوتك إلى مقابلة تلفزيونية تعرض أمام الملأ ، هل ستتكلم بلغتك العامية الركيكة ؟؟؟