الكاتب: د.بندر علي سليمان *
يتم اتهام العديد من المجتمعات الإسلامية دائماً بهضم حقوق المرأة وتعطيل مصالحها والتضييق عليها . فمن مشكلة قيادة المرأة للسيارة ، وقبول الفتيات في الكليات الصحية والطبية ، وعمل المرأة في بعض الأماكن والوظائف ، وحتى ممارسة المرأة للرياضة داخل المدارس والمجتمعات النسائية المغلقة . إن الكثير من صور امتهان المرأة في المجتمعات الإسلامية بشكل عام ، وفي المجتمعات الخليجية بشكل خاص ، وفي بلاد الحرمين بالتحديد ، إنما هو قائم على عادات وتقاليد وأعراف لا تمت للإسلام بأي صلة ، وإلا لكنّا وجدنا آلاف الدلائل والاثباتات في كتاب الله وسنة نبينا صلى الله عليه وآله وسلّم وفي تاريخنا الإسلامي القديم والحديث . فسكب ماء النار على وجه المرأة أو جدع أنفها لعدم اطاعتها زوجها ، أو حرمها من الميراث وأكل مالها رغماً عنها ، أو غيرها الكثير من الأعمال التي يشمئز العاقل من ذكرها ، إنما أوجدتها فئة تخرج عن نطاق الإنسانية والعقلانية ولايمكن ربطها بالإسلام من قريب أو بعيد .
ولنعلم مدى تطور ورقي الأنثى لدى المجتمعات الغير مسلمة ، فقد قامت مؤخراً إدارة الصحة بمدينة نيويورك بتطبيق نظام يتم بموجبه توزيع حبوب منع الحمل المجانية للمدارس الحكومية للبنات ابتداءً من سن ١٥ سنة ودون موافقة مسبقة من الأبوين ، وذلك للحد من ظاهرة الحمل الغير متوقع عند المراهقات . وقد صرحت مسؤولة في الإدارة أن عدد الفتيات الحوامل يصل إلى ٧ آلاف فتاة كل سنة تتراوح أعماراهم من ١٢ إلى ١٧ سنة ، وأن ٩٠٪ من الفتيات قد حملن دون رغبة منهن أما ال ١٠٪ الباقين فقد رغبن في ذلك الحمل . وقد أبدى المسئول عن البرنامج في إدارة الصحة سعادته بأن أولياء الأمور لم يعترضوا على البرنامج ، وأوضح أن نسبة الأسر التي لم ترغب الدخول في البرنامج أقل من ٢٪ .
وقد صرحت أيضاً منظمة الغذاء والدواء الأمريكية أنه إذا أثبتت الدراسات الميدانية أن متوسط سن البلوغ لدى الفتيات الأمريكيات يقل عن ١١ سنة فسوف تقوم دراسات وبحوث طبية هدفها تمكين الفتيات الأصغر سناً من استخدام حبوب منع الحمل تلك دون وصفة طبية أو مساعدة من الأهل (حتى تستمتع هي بحياتها ، أو بالأصح يستمتع بها الآخرون) .
إن هؤلاء الذين يتشدقون بمكانة ورقي المرأة في المجتمعات الغير مسلمة لا يريدون أن يروا الجانب الآخر من الحقيقة ، فهم قد انشغلوا بالجانب الإعلامي البرّاق والزائف ، كما هو الحال في كل حالات البروباجاندا الإعلامية البائسة . نعم هناك جانب من الحقيقة وهو تمكين المرأة من العمل في تخصصات مهمة والاستفادة من الجانب الأنثوي في الكثير من المجالات الصناعية والسياسية وغيرها ، ولكن ذلك لم يكن بالمجان ، بل كان على حساب كرامتها وأنوثتها ، وهو ما كانوا يدّعون أنهم يهتمون به ويحافظون عليه في الأساس .
انظر إلى الطريقة العملية التي يتعامل بها هؤلاء المفكرون والعلماء للتعاطي مع المشكلة ، هذه هي الحلول التي اقترحها العم “سام” الذي وصل بصواريخه إلى العراق وأفغانستان ووصل بطائراته (بدون طيار) إلى باكستان واليمن ووصل بمكوكاته الفضائية إلى المريخ . هذا ماوصل إليه المفكرون والعلماء هناك من حلول لا تحل أساس المشكلة بل تسهل لهم ما أرادوا تحقيقه في المقام الأول ، فحل المشكلة عندهم ليس بالتعليم الأدبي والتوجيه الأخلاقي ، وليس برفع مستوى الإدراك والوعي ، ولا حتى بالوعظ الديني والتذكير بالرب والكنيسة … كلا ، ولكن بتسهيل عملية التزواج البهيمي عند المراهقين والاستفادة من التفتح والرقي المزعوم لدى الأنثى لديهم وكيفية تسخير ذلك للوصول لمبتغاهم الحقيقي من وراء ذلك الزيف الإعلامي والمكانة الإجتماعية الكاذبة ، ألا وهو امتهان كرامتها وجعلها كالمرحاض الذي يتسخدمه كل من شاء ومتى ما أراد .
إن الإسلام بطبيعة الحال لا يتمثل بجهة معينة أو بأناس محددين . وإن الأفعال التي لا تمت للإسلام بأي صلة لكل من انتسب للدين إنما انعكست في الإعلام لفرحة أعداء الإسلام بها ليس أكثر ، فهم يريدون من تلك الأفعال أن تمثل الدين الإسلامي عند الناس فتشوه صورته وحسب . وللأسف فقد اشتهرت الكثير من البلاد العربية والإسلامية بصور الانتقاص من الأنثى التي لم ينزل الله بها من سلطان ، في مجتمعات يطغى عليها “التأكيد على الحقوق والتغابي عن الواجبات” .
*(عالم في الطب الحيوي)–عضو هيئة التدريس بجامعة طيبة بالمدينة المنورة – عضو المعهد البريطاني للعلوم الطبية الحيوية والجمعية الأمريكية لعلوم الأمراض الإكلينيكية