مجلة نبض- رويترز:
قبل 30 عاما حين واجه العالم احتمالا مروعا هو ظهور مرض عضال لا علاج له يعرف باسم نقص المناعة المكتسب (ايدز) استشعرت شركات الادوية الكبرى وجود فرصة سانحة وتسابقت على انتاج أدوية جديدة.
اليوم يواجه العالم أزمة من نوع آخر هي هذه المرة معضلة مقاومة الامراض للمضادات الحيوية وأمام هذه الازمة فعلت صناعة الدواء العكس تماما. فقد قررت تقليص الابحاث في قطاع لا توجد فيه فرص كبيرة للربح.
لقد أصبحت المضادات الحيوية ضحية للنجاحات التي حققتها. فنظرا لرخصها واستخدامها كعلاجات عادية بالغ الاطباء في وصفها لمرضاهم وزاد استخدامها بشكل عشوائي مما تسبب في ظهور “جراثيم عملاقة” لا يمكن للمضادات الحيوية ان تحاربها.
هذه “الجراثيم العملاقة” آخذة في النمو لكنها لم تنتشر بعد على نطاق واسع ولذلك فان الابحاث المكلفة الضرورية لمحاربتها لا تستحق كل هذا العناء. ويقول خبراء الطب ان هذه المحنة قد تعيد صناعة الدواء الى ما قبل اكتشاف الكسندر فليمنج للبنسيلين عام 1928.
ويرى قادة صناعة الدواء ومسؤولو الصحة الذين أطلقوا صيحة التحذير ان حل هذه المشكلة يتطلب موافقة سريعة على أدوية الملاذ الاخير وفي الوقت نفسه ضمان ان يعود ذلك بالفائدة على شركات الدواء.
ويعتبر بول ستوفلز كبير الصيادلة في شركة جونسون آند جونسون في موقع يجعله قادرا على فهم المشكلة أكثر من كثيرين.
فقد قدمت شركته بصيصا من الامل في ديسمبر كانون الاول الماضي حين حصلت على موافقة الجهات المنظمة على علاج جديد لدرن (سل) مقاوم للعقاقير وهي قضية مهمة بالنسبة لعدد من الدول.
ومن سوء حظ العالم ان هذا حدث مرة واحدة ولا تطور جونسون آند جونسون حاليا اي مضادات حيوية.
وقال ستوفلز في مقابلة في لندن “السوق تنتظر مضادا حيويا جديدا صغيرة جدا ولذلك لا توجد اثابة ومن ثم لا تتدفق رؤوس الاموال.”
وأضاف “المسألة تتعلق بكمية الاموال التي يشعر الناس انهم مستعدون لدفعها في العقار. في مرض السرطان الناس يدفعون ما يتراوح بين 30 و50 الف دولار أو 80 الف دولار في الدواء (لمريض واحد) لكن في المضادات الحيوية على الارجح لن يزيد هذا على بضع مئات من الدولارات.”
ويوم الاثنين أعلنت استرازينيكا وهي تتخذ قرارات حاسمة بشأن استثماراتها انها ستضع أموالا أقل في تطوير أدوية لعلاج الامراض المعدية. وقال باسكال سوريوت المدير التنفيذي لاسترازينيكا لرويترز “علينا ان نحدد اختياراتنا وعلينا ان نركز استثماراتنا في المجالات التي نعتقد اننا سنحدث فيها فرقا ملموسا.”
وفرص حصول الدواء على موافقة الجهات التنظيمية هو شيء اساسي بالنسبة لاي شركة تفكر في الاستثمار في ابحاث بيولوجيا الخلية.
وهذا السقف بالنسبة للمضادات الحيوية مرتفع للغاية ويرجع ذلك في جانب منه الى فضيحة الموافقة على عقار كيتيك الذي انتجته شركة سانوفي عام 2004 وقال مسؤولون أمريكيون فيما بعد ان استخدامه يجب ان يقتصر على الامراض الخطيرة نظرا لخطورة اعراضه الجانبية.
وتعهدت جانيت وودكوك رئيسة قسم الادوية في ادارة الغذاء والدواء الامريكية العام الماضي “بمراجعة” شاملة لعملية الموافقة على الادوية ادراكا منها بأثرها الخانق الذي حذر منه مؤخرا عدد من المسؤولين على تطوير أدوية جديدة.
وقد تكون الموافقة السريعة التي حظي بها عقار السل لشركة جونسون آند جونسون في ديسمبر والتي استندت الى مرحلة وسطى من بيانات المرحلة الثانية مؤشرا على سياسة مرنة جديدة لادارة الغذاء والدواء الامريكية وهو شيء مهم لان الولايات المتحدة أكبر سوق للدواء في العالم.
كما ان قانون (توليد حوافز المضادات الحيوية الان) الذي سرى في الولايات المتحدة في اكتوبر تشرين الاول قد يساعد ايضا لانه يمنح حقا حصريا للشركة المنتجة في الاسواق مدته خمس سنوات.
ورغم ذلك ترى الجمعية الامريكية للامراض المعدية ان هناك حاجة لتشريعات جديدة لافساح الطريق امام الموافقة على مضادات حيوية جديدة لعدد محدود من السكان بعد تجارب اكلينيكة محدودة وسريعة.
وتقول انه مثلما حدث في السنوات الاولى مع فيروس (اتش.اي.في) المسبب للايدز يجب على العالم ان يقبل بأدوية جديدة تنطوي على مخاطر أكثر للامراض التي لا علاج لها نظرا لعدم وجود بدائل بينما أرواح المرضى على المحك.
كما تعمل الوكالة الاوروبية للادوية على وضع احكام جديدة لتشجيع تطوير المضادات الحيوية في الوقت الذي أطلق فيه الاتحاد الاوروبي شراكة جديدة بين القطاعين العام والخاص لتشجيع الحكومات والشركات على ان تتبادل المعلومات وان تتشارك في التمويل.
وقال اندرو ويتي المدير التنفيذي لجلاكسو سميثكلاين وهي من بين شركات كبرى محدودة تجري بهمة أبحاثا على المضادات الحيوية ان التوجهات الجديدة للسوق يمكن ان تشمل الاستغناء عن السعر على ان يدفع نظام الرعاية الصحية للمخترع أجرا سنويا مكافأة له على التوصل الى دواء.
وفي بعض السنوات قد ينتهي الامر بالمجتمع ان يدفع في هذه الاجور أكثر مما يدفع في فاتورة الدواء وفي سنوات أخرى أقل لكن على الاقل ستضمن شركات صناعة الدواء عائدا مضمونا.
ويبدي مسؤولو الرعاية الصحية سواء في الولايات المتحدة او أوروبا استعدادهم لان يعالجوا المشكلة بطريقة مختلفة بعد ان لفتوا الانتباه الى أزمة المضادات الحيوية الشهر الماضي.
ودعا توم فريدن مدير المراكز الامريكية لمكافحة الامراض والوقاية منها الى كفاح عاجل ضد “بكتيريا كابوسية”.
وقالت سالي ديفيز كبيرة مسؤولي الطب في انجلترا ان تزايد مقاومة الامراض للمضادات الحيوية خلال الخمس سنوات الماضية هو “قنبلة موقوتة” تقف على قدم المساواة مع الخطر الذي يمثله الارهاب على الدولة.