معظم العمليات الجراحية تكاد لا تخلو من المضاعفات الطبية، والتي بدورها تتفاوت من مضاعفات بسيطة يمكن علاجها في معظم الحالات بدواء مسكن للآلام وخلافه، أو مضاعفات تحتاج إلى تدخل طبي آخر مثل عمل جراحة تصحيحية أخرى، أو تدخل جراحي بالمنظار، أو باستخدام الأشعة المتقدمة. حدوث هذه المضاعفات ينتج عنه إبقاء المريض في المستشفى فترة أطول من المقرر لها مسبقاً أو عدم الرضى من المريض وأحياناً اخرى قد تؤثر على حياة المريض أو مزاولته لحياته الطبيعية بعد العملية الجراحية. قد تحدث هذه المضاعفات حتى في أفضل المستشفيات التخصصية في العالم ومع العلم انه يتم مناقشة هذه المضاعفات الطبية أسبوعياً في معظم المستشفيات في الخارج فيما يعرف بـ (Complication Rounds). أما الخطأ الطبي فهو ناتج عن إهمال الطبيب أو عدم قدرته على حسن التصرف في بعض الحالات المرضية أو قد ينتج عن ممارسة الطبيب الغير مختص بحاله مرضية معينه. دائماً ما يتم المزج والخلط بين الخطأ الطبي والمضاعفات التي قد تحدث من إجراء عملية جراحية وهناك فرق كبير بين الاثنين.
الأخطاء الطبية والمضاعفات الجراحية: هناك فرق !!
من المهم جداً عند إقرار عملية جراحية أن يناقش الطبيب الجراح مع المريض كيفية عمل العملية وماهي المضاعفات التي قد تنتج عنها مع ذكر الخيارات الأخرى للعلاج مع توثيق ذلك فيما يعرف بإقرار الموافقة على التدخل الجراحي والذي يوقع عليه المريض والطبيب وشاهد آخر، هذه الخطوة تثقف المريض صحياً عن حالته المرضية وتجعله متقبلاً لما قد ينتج عن العملية الجراحية.
مع مرور الوقت في سنوات الغربة التي أقضيها في كندا، لاحظت إنتشار غير مسبوق لنشر الأخطاء الطبية والتي تحدث في مختلف أنحاء الوطن ومع كل التخصصات الطبية. تكرار نشر هذه الأخطاء الطبيه في صفحات الجرائد اليومية أو على الصحف الالكترونية تؤدي إلى نتائج لا يحمد عقباها. نشر الخطأ الطبي يحتاج إلى خبرة ودراية كامله بالحالة الطبية ومجريات الأحداث التي أدت الى ذلك، والأهم من حدوث الخطأ هو تحري الدقه في التصرف والتدخل العلاجي وسرعته من الفريق الطبي. ما لاحظته ولاحظه الكثير منا وبحكم دراستي في الجراحة العامة وبعض تخصصاتها الدقيقة أن الخبر عن الخطأ الطبي ينشر بدون أي رقابة أو تحري لدقه المعلومات. مع خالص تقديري واحترامي الشديد لبعض محررين الصحف إلا انهم يفتقدون إلى بعض المعلومات الأساسية عن الطب وعن الأخطاء الطبية عموماً. ناهيك عن مبالغه البعض في وصف الأخطاء الطبيه والخلط بينها وبين المضاعفات الجراحية وزياده بعض التذييلات الصحفية والتي تؤدي بقارئ هذا النوع من نشر الأخطاء الطبية أو المضاعفات الجراحية إلى انعدام ثقته بالطبيب المعالج.
أنا لا أدافع عن الإهمال في الحالات المرضية أو عدم سرعة اتخاذ التدخلات الطبية لتصحيح وإنقاذ حياه المريض في حاله حدوث خطأ أو مضاعفات طبية، ولكن نشر مثل هذا النوع من الأخبار يحتاج إلى قواعد بسيطة قبل الخوض والحكم على الطبيب من قبل من هم ليسوا بدراية أو علم بمجال عمله. هناك هيئات مختصة بدراسة الأخطاء الطبية من قبل متخصصين وذوو خبره في نفس المجال، وهذه الهيئات وحدها لها الحكم على الطبيب وما تسببه من خطأ طبي. الأهم من ذلك عدم نشر أي خبر عن خطأ طبي حتى تتم مراجعته من قبل هذه الهيئات المختصة وصدور قرار يوضح إهمال الطبيب من عدمه ومع مراعاة الدقه في تحرير كل خطأ طبي حتى لا تنعدم الثقه بين المريض والطبيب، وهذا كما يعرف الجميع عامل مهم جداً في تقبل العلاج والشفاء بإذن الله.
قد اختم بكلمات ترددت على مسامعي طوال فتره تدريبي: انه لا توجد عملية جراحية بدون مضاعفات طبية، ولكن الأهم من ذلك أن تفرق بين مضاعفات العملية والإهمال الطبي.