الكاتبة : إخلاص الصاعدي
قائمةٌ بالمهامِ الغيرِ مُنجزة تتزايدُ طولاً ،لا يقارعُها في تزايدِ حجمِها إلا أكوامُ المهامِ النّصفِ منتهيةٍ ؛تلكَ التي فَرغ صبرُنا قبلَ أن تفرَغ.
الغريبُ في الأمر هو أنّني كنت أبحث عن إجابةٍ لسؤالِ : كيفَ أفعلُ ما لا أريدُ فعلَه ؟!و المفارقة هنا ؛إنْ كنتُ لا أريدُ فعلَهُ،فما الذي يُلزِمُني على فعلِهِ غيري ؟و هل يعني هذا أننّي أريد فِعلَهُ فِعلاً ؟!نمطُ التفكيرِ الذي قد يُنتجُ سُؤالًا مماثلاً لِسؤالي يكونُ غالباً : لا ينبغي أن يُفرض عليَّ فِعلُ هذه المهمَّة من الأساس ،أو لن أفعلَ الأشياءَ إن كُنتُ لا أرغبُها. من العسير عليّ أن أنقد موطنَ الخللِ في التفكيرِ السابق ،لكنّه -على أيّ حالٍ – إنْ لم يُعطّل سير العملِ ،خَلَق إحساسً داخلياً بالانزعاج من التخلُّف عَن المهامِ المُجدولةِ و كِلا الأمرينِ غير مُحبَّذ .
لا أذكرُ مشكلةً لازمَتني فترةً أطولَ مِن هذِهِ المشكلة ،كما أنّي شبهُ متيقّنةٍ أنني لا أخوضُها وحدي. لِكُثرِ ما لازمتني ،بِتُّ أظنّها صِفةً أو خصيصةً لا مُجرّدَ عارضٍ طاريءٍ. توصيفُ المشكلةِ ليس سهلاً ,فهي متشّعبةً بشكل يتعذّرُ معه إدراكُ أّيُّها السببُ و أيّها النتيجة. هيَ أعقدُ من تسويفٍ :يتفرّعُ عنه أو لَرُبما يُولِّدُهُ سوء إدارة للوقت ،أزمةُ أولويات ،خللٌ في التخطيط ،نقصُ انضباط ،و تشتُّتٌ ذهني عن الهدف .
طولُ أمدِ المشكلة لم يجعلها أسهلَ حلاً ،و لا ما بُذل في سبيلِ تفكيكها أيضاً. بدايةً من “الوقتُ كالسيّف ..” و “لا تؤجل عمل اليوم ..” ؛حِكمُ المدارسِ , و انتهاءً بالإدارةِ وتطوير الذّات. أمّا الأولى ؛فَيشُوبُها أنّنا شببَنْا – و معنا المشكلة – في ظِلالها و لم نجدْ لها تأثيراً يُذكرُ بدليلِ ما نحنُ عليه الآن. لا شيءَ منطقيّ يشوبُ هذه الحكم و ما شابهها ،بل على العكسِ ؛أوجزتِ المعنى و كثّفته في جُرعةٍ صغيرة سلسةِ التناول. لكنّ صلابَتَها المنطقيّة لم تضمن استمرارَ تأثيرِها على السلوك ،فبقيت جُملاً يُتغنَّى و يُستشهَدُ بها و حسب. أمّا الإدارةُ فقد طرحَت حلولاً عديدة على نحو ؛ضْع أهدافَك قصيرةَ المدى و الطويلة ،رتّب أولوياتكَ و ركِّز على الهامِّ أو العاجل ،حفّز نفسَك بأن تبدأ و المنالُ في ذهنِك. قد تكونُ هذه الحلول ناجعةً مؤقّتاً لكنّ مفعولها لا يدوم. هي أشبهُ ما يكون بِمُسكّن الألم ؛لا يقتربُ من صُلب الدَّاء.
وضعَ دكتور Philip Zimbardo – عالمُ النّفس بجامعة ِستانفورد – نظريةً قويةَ الصلة بمشكلتنا هذه ؛ حسبمَا أرى. يتناولُ في جانبٍ من نظريّتهِ ما يسمِّيه بِــ منظورِ الزمن. وفقاً لِذلك ،يرى د. فيليب أنّ النّاس ينقسمون إلى ثلاثةِ أقسام فيما يتعلّق بنظرتهم للزّمن و بالتالي سُلَوكِهم : فقسمٌ مُوَجّهٌ بالماضي ,و آخرٌ بالحاضرِ و الثَّالثُ بالمستقبَل. يعنينا القسمين الأخيرين بالذّات. ماذا يفعلُ هؤلاء عندما يصادِفون إغراءً ما؛ مِن شأنِه أن يحيدَ بهم عن مسارِهم ؟ سيلتفتُ المُوجَّهون بالحاضر إلى الإغراء مُسقِطين ما بأيديهم ، إذ أنّ اللحظة الحالية هي كل ما يَهُمّ. بالمقابل ؛سيتمكّنُ المُوجَّهون بالمستقبلِ من تأجيلِ الإغراء ،إذ أنّ التركيزَ على الآتي يُمكّنُهم من المقاومة.
المُوَجَّهُ بالحاضر مُنتَشٍ ،حِسّي ،مستمتعٌ باللحظة ،لكنّه يُطالبُ – بطفوليّة – بعرفانٍ فوريّ آنِيّ. هو لا يستطيعُ أن يُبعدَ عينيه عن النتائج المباشرة لوضعه الراهن. محرّكُهُ الدّافعُ “طلبُ المتعةِ و تجنُّبُ الألم ” و إن عَنى ذلك قذفَ كتابِ امتحانِ الغدِ جانباً لِــنشاطٍ اجتماعيّ مثلاً. يفضّل مُوَجَّهُ الحاضرِ أن يرتجلَ عوضاً عن أن يخطّط ،و لعلّه لا يُؤمنُ بالتخطيطِ أصلاً. قد يؤمن بالحظّ أو أنّ كلَّ شيءٍ مُحدّدٌ سَلَفاً ، \فما الدّاعي للمحاولة ؟وعلى العكس ،يستطيعُ الموجَّهُ بالمستقبلِ أن يركّز ببراعةٍ على ما يريدُ إنجازه. سواءً كان تركيزُه على المستقبلِ منطلقاً من إيمانه برسالة حياة ،هدفٍ أعلى ،أو حياةٍ أُخروية ؛فهو يُخططّ بِمُنطلق :ما هي عواقب هذا الفعل ؟ كيف سينعكسُ عليَّ مُستقبلاً ؟ ما ثمنُه و ما فائدتُه ؟ لا أقصدُ بهذا؛ الترويجَ لِمنظوِر المستقبل على حسابِ منظورِ الحاضر ،فَموجَّهُ المستقبلِ عُرضةٌ لأن ينهَشَه القلق ،لأن يكون مفرِط التنافسيّة ،و معزولاً اجتماعياً بِوصفِه دودة كُتُب أو مُدمِن عمل.
نحن جميعاً خليطٌ من الأنماطِ الثّلاثة ،لكنْ يطغَى أحدُها علينا بشكلٍ بارزٍ و يُسيِّرُنا. يقترحُ د. فيليب أن نعالج منظورَنا للزمنِ بحيث نكسب الأفضل من كُلِّ نمط : تعريفٌ للهويّة من إيجابيّة منظورِ الماضي ، مُتعَةُ منظورِ الحاضرِ كــمكافأةٍ لا كاندفاع ,و فعاليّةُ منظورِ المُستقبل .
لا يوجدُ ترياقٌ سحريّ لِحلّ المشاكلِ المُزمنةٍ فوريّاً. إنّها عمليّةٌ بطيئةٌ من الخطأ و التقويمِ مع الكَثير .. الكثيرِ من الانعكاس نحو الدّاخل.