الكاتب: د.بندر سليمان
التفكر والتدبر والتأمل من أساسيات الفكر الإسلامي ومن أهم قواعده، وكل من حكم على جهل “الإسلاميين” ونبذهم للتفكير وتحكيم العقل، فهو مخطئ بدلالة الماضي والحاضر. ذلك لأن التاريخ يثبت لنا في أكثر من مرة أن التفكير صفة من صفات الإنسان التي جبله الحق تبارك وتعالى عليها، فليس الإنسان بكاملٍ حتى يُشْغِل عقله ويُعْمِل منطقه في آلاء الله ومخلوقاته في مشارق الأرض ومغاربها.
يقول الحق تبارك وتعالى :{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ. الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّار} (آل عمران).
إبراهيم – عليه السلام – فكّر واحتال على أصنام قومه وجعلهم يدركون أنها دون قيمة
موسى – عليه السلام – فكّر في الوحي ولم يقتنع حتى كلّم ربّه دونما ترجمان
وفكّر نبينا ﷺ في غار حراء سنين طوال، حتى أتاه جبريل بالوحي فأصبح رسول رب العالمين
التفكير هو أساس الحكمة وجوهر العقل، ومن عطّل عقله عن التفكير كان بمثابة التابع لأفكار غيره، فإما قادته إلى الأعلى، وإما جرت به إلى الأسفل. ولكن التفكير الإنساني له حدود، وعليه قيود، وفيه اشتراطات. فالعقل الإنساني مهما بلغت جرأته، ومهما وصلت درجته، ومهما علت همته، لن يصل إلى الكمال والتمام. العقل البشري محدود بالعلم الذي يسره الله تبارك وتعالى له فقط {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} (الإسراء)، ومقيد باحتياج الإنسان لخالقه، واعتماده عليه في شئون حياته الكبيرة {لاَ تَنْفُذُونَ إِلاَ بِسُلْطَان} (الرحمن) وكذلك الصغيرة {وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ} (الحج).
يقول الإمام الغزالي رحمه الله (من لم يَشُك لم يَنْظُر، ومن لم يَنْظُر لم يُبْحِر، ومن لم يُبْحِر لم يُبْصِر، وبقي في العُمْي والضَلال). لأن هذا التفكير إنما هو أداة تقودك لمعرفة عظمة الله وحكمته في تدبير الأمور وتصريفها، لا أن تتجاوز حد عقلك المحدود لتدعي أنك اطلعت على مفاتيح الكون وحكمة الوجود وأسرار الخلائق. يقول الحق تبارك وتعالى في سورة المدثر عن الوليد بن المغيرة :{إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ. فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ. ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ} لأنه كان ينسج الخرافات ويدعي على القرآن بالباطل ويتفنن في نشر الأكاذيب عن النبي ﷺ.
ولهذا السبب أيضاً كان تأويل بعض البشر لآيات الله وأحاديث نبيه ﷺ مليئة بالنقض والتجريح والبطلان. فتفكيرهم المحدود يأبى عليهم أن يفهموا الدلائل. وعقلهم القاصر يعجز عن فهم المقصود الإلهي والحكمة الربانية التي قد تغيب عن مفهومنا الإنساني لحكمة لا يعلمها إلا الله. أولم يسمعوا قول الخضر لموسى – عليهما السلام – :{وكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً} (الكهف)، أي كيف ستبقى معي وسترى بعينيك أموراً تنافي كل الأعراف والمعايير والأسس التي تعودت عليها ولكنها أكبر وأعظم وأبعد بكثير من فهمك الحالي المتواضع.
إن القرآن الكريم، والسنة النبوية، والكون من حولنا، والخلائق والنباتات والحيوانات، وحتى أنفسنا، مليئة بالآيات والدلائل والإثباتات على عزة الخالق وعظمته، وهوان المخلوق وضعفه، ولكن يأبى بعض الناس إلا غرورا {وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ النَّشْأَة الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ} (الواقعة).