ترددت قبل أن أكتب هذا المقال ربما لأن الشكوى عندي في معظم الوقت تُعمم ولا تُخصص ، أو لأن صبر اصبعي قد فاض وبدأ يعاجلني القلق على صحة عقلي واستيعابه للأمر الصحيح وللأمر الخاطيء ، ولكنها مشكلة ويجب أن تجد حلا ، وان كان ما أكتب هو أضعف الإيمان فليكن كذلك ، فالحال قد ضاق ذرعا وضاقت مقلة سهرت على دموع مريض حتى سالت مُقلة طبيب كدراً .
الطبيب الذي سأتحدث عنه ، قبل أن يصبح كذلك هو زميل دراسة و صديق بالدرجة الأولى ، قام بإكمال نصابه من الطب في سبع سنوات مضت داخل جامعة حكومية ، قامت مشكورة بتأمين مقعد أحلامه ليراها واقعاً في المستقبل، وصرفت مكافأة امتيازه والتي تقدر بمبلغ 9200 ريال ، أي أن كل ما تم عمله هو بغرض تهيأته ليكون طبيباً آمناً في عمله ، كريماً في عيشه ، بناء على ماتم تحصيله من شهادة تخرج من كلية الطب ، تكفل له مكانة مادية لا بأس بها وإن صح التعبير مكانة ممتازة مقارنة بالسنوات العجاف التي كانت لا تتجاوز المكافأة الشهرية فيها ألف ريال.
هنا ليست المشكلة ، فجميعنا تخرجنا وبدأنا في تحقيق أحلامنا التي انتظرناها ، بدأت مرحلة التقديمات الى البرنامج المحلي للتخصصات الطبية ، وقام صديقي بالتقديم بدايةً لم يتم قبوله و وضع على لائحة الإحتياط ، حتى انتهى الجميع من عملية التقديم ، ومن ثم قاموا بالإتصال تمهيداً لقبوله ولكن في مناطق معينة تبعد عن مكة قرابة 400 كم ، لم يناقش وقام بشد رحلته البطوطية ناشداً حلماً بدأ بالغليان والتبخر في غيوم الحقيقة ، كان العائق توفير راعي لبرنامجه ليتم شرط قبوله وتدريبه في إحدى تلك المستشفيات ، وذلك حسب معرفتي البسيطة يكون صعباً ويحتوي على الكثير من المنعطفات التي تفاجئه في نهاية الأمر بطريق مسدود.
ولله الحمد تم قبوله في منطقة مكة المكرمة ، ولكن بشرط بخيل للغاية ، وهو اكمال التدريب بالمنشأة بدون راتب يتم صرفه ، والمحاولة في فرصة الحصول على مكافأة بسيطة لا تتجاوز 3000 ريال ، والتي الى تاريخ كتابتي لهذا المقال لم تصرف ، ربما تتسائلون لم كل هذا التعقيد ، و ذلك لأنه وبمشيئة الله ، يملك صديقي نصف الجينات السعودية من أمه ، و أب متوفى في رحمة الله ، لا يملك الجنسية ، بالرغم أنه وكما ذكرت آنفاً أن حكومتنا الرشيدة لم تقصر في قبوله ابتداء للإلتحاق بدراسة الطب وتهيئته ليخدم في ثرى هذه البلد الكريمة.
مضى على بداية البرنامج تسعة شهور ، مضت من أيامه كأنها دهور ، عمل ومناوبات شاقة و طاقم عمل سيء في تعليمه ، ممتازٌ في استغلاله ، هل يعقل أن يكمل قرابة العام في برنامج تخصصي ، ولا يملك قوت يومه وراتبه الشهري ؟ ، هل يوجد انسان يقول بأن ما يحدث له أمرٌ طبيعي ولا يستحق الذهول ؟ ، الحلم في يده يتبخر من عرق تعبه ، والكدر في عينيه يحكي قصة كرامة تكاد أن تسقط في فوّهة الحاجة ، حتى دعته الديون أن يقوم بالتفكير في ترك البرنامج ، والعمل في مستشفى خاص ، أو عيادة خاصة تصرف له على الأقل ما يكفيه.
هذه القضية تائهة في أيدي الحقيقة الواضحة لكل من لديه فكر سليم ، طبيب ولد في هذا البلد لأم سعودية ، نشأ هنا بعيداً عن جنسيته الأم ، ولم يزر قط الدولة التي ينتمي اليها ، يتحدث العربية بل السعودية بطلاقة ، أتم دراسته وتخرج لينصدم بالواقع المرير ، الذي يصرخ في وجهه ويقول لا نملك قراراً ينصفك ، ولو على الأقل لنصفك لدمك السعودي الذي تملكه، يا سعادة من تقرؤون ما الحل فيما ترون ، هل نرتع في نعمة ، وصديقنا يستحقها مثلنا ، أم نحاول أن نصرف الحلول شيكات بدون رصيد ، لك الله يا صديق ، لن تخيب دعوةٌ في جنح الظلام ، الى الكريم المنان ، بأن يتعدل الحال و يتحقق المحال ، لكَ الله.