مجلة نبض-BBC:
تغيرت قائمة الأطعمة التي يُعتقد أنها تزيد الخصوبة على مدار العصور – من المحار والبقوليات إلى ثمار التين ولحم الأرنب. وارتبطت وفرة الطعام تاريخيا بزيادة في معدلات الإنجاب. لكن هل يساعد الطعام على زيادة معدل الخصوبة؟ ما رأي العلم في ذلك؟
يعتقد البعض أن المحار منشط جنسي طبيعي، ويثني آخرون على الباذنجان.
وقال تجار صيني لبي بي سي إن “البقوليات وفول الصويا تساعد النساء على إنتاج المزيد من البويضات”.
ولطالما كانت العلاقة بين الطعام ومدى تأثيره على القدرة الإنجابية موضوعا مهما في التراث الشعبي والأديان والطب منذ آلاف الأعوام.
كما يحظى الأمر بأهمية بالنسبة للكثير من المقبلين على الإنجاب.
ومن الصعب الحصول على أرقام يعتمد عليها بخصوص معدلات الخصوبة عالميا، بحسب الصحفية لدى بي بي سي إميلي توماس.
لكن الإحصائيات الرسمية الصادرة عن مراكز السيطرة على الأمراض الأمريكية يظهر أن حوالي 12 في المئة من النساء بين 15 و44 عاما يواجهن صعوبة حتى يصبحن حوامل أو في المحافظة على الجنين حتى انتهاء مدة الحمل الطبيعية.
ولذا، إلى أي مدى يمكن للطعام أن يساعدهن؟ هل يمكن أن يزيد الطعام من معدل الخصوبة؟
برنامج “فود تشين” الذي تبثه بي بي سي نظر فيما تناولته الدراسات العملية بشأن ذلك.
الطعام والزواج
ارتبطت وفرة الطعام تاريخيا بالإنجاب، فنهاية الحرب العالمية الثانية، مثلا، أدت إلى طفرة في المواليد داخل أوروبا، حيث ارتفعت معدلاتها بنسبة تجاوزت 30 في المئة داخل دول مثل انجلترا خلال أقل من عامين.
ومن بين أسباب زيادة معدلات الإنجاب بعد الحرب الطفرة في معدلات الزواج.
لكن الكثير من الزيادات الكبيرة في نسب السكان في التاريخ فُسرت على أن لها بتغيير في كمية أو نوعية الطعام المتاح.
ويقول تيم كولر، أستاذ علم الإنسان في جامعة ولاية واشنطن: “بدأت الذرة يصبح عنصرا مهما في الوجبات حوالي 300 سنة قبل الميلاد، ولذا بدأت معدلات المواليد في الارتفاع مع زيادة الاهتمام بالذرة”.
ويضيف: “أدت زيادة النشويات في الطعام إلى تحسن توازن الطاقة لدى النساء، وأصبحن ينتجن بويضات بشكل أفضل، ولذا ارتفعت معدلات المواليد بسبب هذه الظروف”.
لكن مع وفرة الطعام، بدأت عوامل أخرى تظهر – مثل نوعية الطعام.
ويؤكد جورج تشافارو، الأستاذ في كليتي الطب والصحة العامة بجامعة هارفارد، أن أخصائيي الخصوبة قد بدأوا يعتبرون الطعام عنصرا مهما الإخصاب.
وأضاف: “كانت فكرة يصعب ترويجها لأخصائيي الخصوبة، لكن الأدلة أشارت إلى أن الطعام ونمط الحياة أمر مهم.”
وقال إن معدلات النجاح في علاجات الخصوبة ظلت مستقرة خلال العقد الماضي على الرغم من التطور العلمي، ولا ينتظر أن تتحسن بشكل كبير في فترة قريبة.
وأكد على أنه “من مصلحة الجميع بما فيها شركات الأدوية أن تحدد طرق أخرى لتحسين معدلات النجاح، ولذا فإن ثمة اهتمام كبير بعوامل يمكن تغييرها مثل النظام الغذائي”.
ولطالما أصبح السلوك القابل للتعديل – أو ما يمكن للمرء القيام به من أجل تحسين مستوى الخصوبة – موضع تكهنات ومصدر جدل بين الخبراء في المجال الطبي.
وفي مصر القديمة، كان يعتقد أن إله الخصوبة “مين” يستطيع مساعدة الرجال على الإنجاب، ومن بين الأشياء التي كانت تستخدم لدى عبادته نبات الخس.
ويعتقد أن ثمرات التين الطازجة تزيد من مستوى الخصوبة.
وتطول القائمة، إذ أن كتُب حول وصفات الطعام عمرها 300 عاما توصي بكافة أنواع الطعام بدءا من خصي الأيل وصولا إلى الباذنجان.
وتقول جينيفر إفانز، وهي مؤرخة بجامعة هيرتفوردشاير، تبحث كتابا وصفات طعام تعود للقرن السادس عشر: “من بين الأشياء التي تظهر غالبا ‘القرصعنة’، وهو شراب من جذور نبات ينمو بالقرب من البحر ويجب أن تتناوله النساء في الصباح لدى صيامهن.”
ولجأ البعض على مدار القرون إلى ممارسات مثل طحن رحم الأرنب البري أو الأليف، إذ كان يعتقد على نطاق واسع أنه يساعد الخصوبة بشكل كبير.
وتقول إيفانز: “ذُكرت البقوليات مرة بعد أخرى في هذه الكتب. وكذا الجزر الأبيض والبندق”.
نمط الحياة
لكن في الوقت الحالي بات شائعا أن النظام الغذائي ونمط الحياة والتمارين الرياضية تؤثر على حياتنا وصحتنا.
لكن هل الخصوبة ضمن ذلك؟
يقول الدكتور تشافارو إن البيانات العلمية بالكاد تذكر إلى أي مدى يؤثر الطعام الذي نتناول على معدلات الخصوبة.
ويضيف: “نتناول الكثير من الأطعمة التي يمكن أن يكون لها أثرا واسعا، وفي بعض الحالات نستطيع تحديد علاقة معينة بين النظام الغذائي ومعدل الخصوبة”.
وأجرت جامعة هارفارد دراسة موسعة بشأن الخصوبة شملت 19 ألف امرأة على مدار عدة أعوام. ووجدت الدراسة أن عوامل مرتبطة بالنظام الغذائي ونمط الحياة “مسؤولة عن قرابة ثلثي حالات العقم لمشاكل مرتبطة بمرحلة التبويض”.
وقال تشافارو: “مع ذلك، فإن مشاكل التبويض نسبة صغيرة من أسباب العقم، وتقديري أنه عندما تضع في الاعتبار عوامل أخرى، فإن 50 في المئة من حالات العقم قد ترتبط بعناصر في النمط الغذائي والحياتي يمكن تعديلها”.
وأظهرت دراسات أخرى أجريت على الحيوانات أن تناول أطعمة معينة سواء بالنسبة للرجال أو السيدات لديه تأثير مهم على صحة الجنين.
وقال الخبير في هارفارد: “إذا كنت تبحث عن طعام خارق، فلن تجده، فهذا ليس موجودا”.
لكنه أشار إلى أهمية “الصويا”، قائلا إن تجارب عشوائية أظهرت أن الصويا أو مكملات الصويا الغذائية حسنت من معدلات المواليد بين النساء اللاتي يتلقين علاج للعقم.
وأضاف أنه بالنسبة إلى الجوز والتين واليام والجوز “في الأغلب فإن هذه مجرد خرافة، ولا يوجد دليل علمي”.
تحظى المكملات الغذائية بشعبية، وأكثرها شيوعا قد يكون حمض الفوليك، الذي يعتقد أنه له صلة بتراجع مخاطر الإصابة بتشوهات خلقية إذا تناولته المرأة قبل شهر من الحمل.
وقد فرضت بعض الدول، مثل الولايات المتحدة وكينيا والأرجنتين وجنوب أفريقيا، أن يكون حمض الفوليك جزءا من الوجبات الغذائية الأساسية.
ويقول مارك لورانس، أستاذ الصحة الغذائية العامة في جامعة ديكن، إن هذا الأسلوب “قد يكون معيبا، فلا نعرف تحديدا الآلية التي يخفض بها حمض الفوليك المخاطر المحتملة. كما أن استخدام حمض الفوليك الإجباري قد يكون له أثر على الصحة.”
وهل يوجد شيء في الطعام الذي نتناول قد يجعلنا أقل خصوبة؟
بعض المواد قد تؤدي إلى ذلك، بحسب مخاوف بعض العلماء، ولاسيما تلك التي تحتوي على هرمونات أو تحاكيها.
ولذا، كيف تصل هذه إلى الطعام الذي نتناول؟
بالطبع هناك هرمونات تظهر بشكل تلقائي في الحيوانات، لكن البعض قد يضاف للمساعدة على الإنجاب أو النمو ويمكن العثور على آثار لها في اللحوم أو الحليب.
ومع ذلك، فهناك جدل بشأن ما يحدث عندما نتناولها.
ويقول ريتشارد لي، وهو عالم أحياء من جامعة نوتينغهام: “لا يوجد دليل على أن هذه الهرمونات تؤثر سلبا على الخصوبة لدى البشر”.
لكن احتمال أنها تؤثر سلبا على الإنجاب أدت إلى تغير في السياسات في بعض الدول، وثمة حاجة لإجراء المزيد من الأبحاث.