مجلة نبض – CNN:
كشفت دراسة جديدة عن أنّ انقطاع النفس النومي غير المنضبط، وهو اضطراب يتوقف فيه الأشخاص عن التنفس لمدة 10 ثوانٍ أو أكثر في المرة الواحدة مرات عدة في الليلة، قد يضر بصحة الدماغ مستقبلًا.
ويُقدّر أنّ 936 مليون بالغ في جميع أنحاء العالم تتراوح أعمارهم بين 30 و69 عامًا قد يعانون من توقف التنفس أثناء النوم، مع وجود عدد أكبر من الأشخاص الذين لم يخضعوا للتشخيص. وإذا كان انقطاع النفس النومي شديدًا ولم يتم علاجه، فإن الأشخاص عرضة لخطر الوفاة بمعدل ثلاثة أضعاف لأي سبب.
وأظهرت الدراسة أن الأشخاص الذين يعانون من انقطاع النفس النومي الحاد، والذين يقضون وقتا أقل خلال مرحلة النوم العميق، المعروف أيضًا بنوم الموجة البطيئة، أصيبوا بضرر أكبر في المادة البيضاء بالدماغ مقارنة مع الأشخاص الذين يعانون من نوم الموجة البطيئة.
والمادة البيضاء عبارة عن الأنسجة التي تشكل الروابط بين خلايا الدماغ وبقية الجهاز العصبي. وعندما يتم فحص الدماغ، تظهر بقع بيضاء صغيرة، تُسمى فرط كثافة المادة البيضاء، مدى الضرر.
وقال الدكتور دييغو كارفالهو، المؤلف المشارك في الدراسة، وطبيب الأعصاب في “مايو كلينك” بمدينة روتشستر، في ولاية مينيسوتا الأمريكية، إنه مقابل كل انخفاض بنسبة 10٪ من الوقت الذي يقضيه الفرد في مرحلة النوم العميق، سُجلت زيادة في فرط كثافة المادة البيضاء بالدماغ، أي ما يوازي تأثير شخص أكبر بـ2.3 سنوات.
وأضاف أنّه “تم الكشف عن الارتباط بانقطاع التنفس أثناء النوم فقط عندما عزلنا الحالات الشديدة، ما يشير إلى أن انقطاع النفس النومي الخفيف إلى المتوسط، قد لا يكون مرتبطًا بشكل كبير بتغيرات المادة البيضاء”.
لكن كارلفالهو لفت إلى أنه ما من علاج لمثل هذه التغييرات في الدماغ، قائلًا: “نحتاج إلى إيجاد طرق لمنع حدوثها أو الحد من تفاقمها”.
وأشار الخبراء إلى أن وجود المزيد من فرط كثافة المادة البيضاء يمكن أن يبطئ من قدرة الدماغ على معالجة المعلومات، والانتباه، والتذكر. كما تم ربط المستويات المنخفضة من المادة البيضاء بمشاكل الصحة العقلية مثل الاكتئاب، والقلق، والانفعال.
ورأت كريستين كنوتسون، اختصاصية النوم والأستاذة المساعدة في طب الأعصاب والطب الوقائي بكلية فاينبيرغ للطب في جامعة نورث وسترن بمدينة شيكاغو الأمريكية، أنّ “نتائجهم تتوافق مع الأدبيات التي تشير إلى أن النوم، ضمنًا نوم الموجة البطيئة، يلعب دورًا مهمًا في الحفاظ على صحة الدماغ”.
وأضافت كنوتسون، غير المشاركة في البحث الجديد: “لقد رأينا أيضًا ارتباطات بين نوعية النوم السيئة وارتفاع ضغط الدم، ويمكن أن يؤدي ارتفاع ضغط الدم إلى ضرر في الدماغ أو سكتة دماغية”.
تلف المادة البيضاء
ونظرت الدراسة، التي نُشرت في مجلة Neurology الأربعاء، بمجموعة شملت 140 شخصًا مشاركًا في دراسة “مايو كلينك” حول الشيخوخة. ويبلغ متوسط عمر المشاركين 72 عامًا، جمعيهم غير مصابين بالخرف، ولم يتأثروا معرفيًا أثناء الاختبار، وخضعوا لأحد نوعي فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI).
وتبيّن أن حوالي 34٪ من المشاركين يعانون من انقطاع النفس النومي الخفيف، و32٪ منهم يعانون من انقطاع النفس النومي المعتدل، و34٪ يعانون من انقطاع النفس النومي الشديد. وقال كارفالهو إنه مع توقف التنفس أثناء النوم، ينخفض الأكسجين، وترتفع مستويات ثاني أكسيد الكربون، وضغط الدم، ومعدل ضربات القلب.
وأوضح أنّ “كل هذه التغييرات تؤدي إلى زيادة الالتهاب في الجسم والدماغ، وتنشيط هرمونات التوتر التي ترفع ضغط الدم لدينا، وتؤثر على عملية التمثيل الغذائي، وقد يصبح الدم أكثر سماكة”. ولفت إلى أن “التغيرات في الأوعية الدموية يمكن أن تؤدي إلى سكتة دماغية، ويمكن أن يتسبب ضعف إمداد الدماغ بالدم بموت الخلايا العصبية أو بخلل في المادة البيضاء، ما قد يساهم في النهاية بالتدهور المعرفي”.
ونظرت الدراسة في اثنين من المؤشرات الحيوية للضرر في الدماغ: زيادة في فرط كثافة المادة البيضاء والتغيرات في تباين أجزاء الجسم الثفني (genu FA)، التي تقيس حركة الماء داخل الألياف التي تربط الخلايا العصبية في الدماغ.
وقال كارفالهو إن “التغييرات بحركة المياه في المحاور مرتبطة بمشاكل في سلامتها ما يشير إلى تلف هيكلها”. وتابع: “لقد استخدمنا هذا الإجراء للتحقيق بتشوهات المادة البيضاء المبكرة المرتبطة بأمراض الأوعية الدموية”.
ويعتبر الخبراء أن الخرف الناجم عن أمراض الأوعية الدموية، هو ثاني أكثر أنواع الخرف شيوعًا بعد مرض الزهايمر.
وأوضح كارفالهو، أنه بعد تحديد الظروف التي يمكن أن تؤثر على تغيرات الدماغ ، مثل العمر، وارتفاع ضغط الدم، والكوليسترول، وجدت الدراسة أن كل انخفاض بنسبة 10٪ في نوم الموجة البطيئة يعادل ثلاث سنوات من الشيخوخة. كما تم قياسه في المحفظة الغائرة لجزئية تباين الخواص.
وأشار كارفالهو إلى أن فحص فرط كثافة المادة البيضاء أظهر نتائج مماثلة. وبدا دماغ المريض الذي حصل على 5٪ فقط من إجمالي نومه أثناء الدراسة في الموجة البطيئة أو النوم العميق أكبر بـ4.6 سنوات من حيث شذوذ المادة البيضاء مقارنةً مع مريض حصل على 25٪ من نومه خلال مرحلة نوم الموجة البطيئة.
وتُعتبر درجة معينة من ضرر المادة البيضاء أمرًا معتادًا في منتصف العمر، بسبب التعرض المتكرّر للتحديات البيئية مثل التلوث، والتوتر، ومشاكل القلب، والأوعية الدموية، على سبيل المثال لا الحصر. وكانت دراسة وضعت عام 2019 توصلت إلى وجود فرط كثافة في المادة البيضاء بأدمغة من يبلغون من العمر 45 عامًا.
وارتبطت مثل هذه التغييرات في المادة البيضاء بزيادة خطر التدهور المعرفي، بالإضافة إلى مرض الزهايمر، وأنواع الخرف ذات الصلة. ورغم ذلك، فإن تلف المادة البيضاء لا يضمن تدهورًا عقليًا خطيرًا، بحسب ما ذكره الباحث في مرض الزهايمر الدكتور ريتشارد إيزاكسون، وهو طبيب الأعصاب الوقائي في معهد الأمراض العصبية التنكسية بولاية فلوريدا الأمريكية.
وقال إيزاكسون، غير المشارك في الدراسة الجديدة إن “الإصابة بمرض المادة البيضاء ليس أمرًا جيدًا، لكن من الصعب الحكم على مدى مغزى ذلك من الناحية السريرية، فالحكم بشكل أقل يعني الكثير، ولكن هذا لا يُترجم دومًا إلى أعراض سريرية”.
ومن جهتها، أشارت كنوتسون إلى أنه يمكن للدراسة أن تظهر ارتباطًا فقط، وليس سببًا. ولذلك هناك حاجة إلى إجراء مزيد من الدراسات لفهم العلاقة بين توقف التنفس أثناء النوم والتغيرات التي تطرأ على الدماغ.
وقالت: “قد تكون النسبة المنخفضة من نوم الموجة البطيئة نتيجة للنوم المتقطع، خصوصًا بسبب انقطاع النفس الانسدادي النومي، أو قد يكون نوم الموجة البطيئة بحد ذاته مهمًا لصحة القلب والأوعية الدموية والدماغ”.
لماذا يُعتبر نوم الموجة البطيئة مهمًا؟
وخلال المرحلتين الأولى والثانية من النوم، يبدأ الجسم بإبطاء إيقاعه. ويؤدي ذلك إلى الانتقال للمرحلة الثالثة، وهي موجة بطيئة أو نوم عميق حيث يستعيد الجسم نفسه حرفيًا على المستوى الخلوي، ويُصلح الضرر الناجم عن تحديات اليوم، ويُوحدّ الذكريات في تخزين طويل الأجل.
وخلصت سنوات من البحث إلى أن النوم، لا سيما النوع الأعمق، يعزز وظائف المناعة.
وأوضح إيزاكسون أنّ نوم الموجة البطيئة هو أيضًا الوقت الذي “يزيل فيه الجسم القمامة” من الدماغ، ضمنًا مادة بيتا أميلويد، وهي إحدى العلامات المميزة لمرض الزهايمر.
وتفيد المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والسيطرة عليها أن النوم العميق يُعتبر أحد أفضل مؤشرات جودة النوم، لأنه يجب أن يحصل الشخص عادةً على نوم غير متقطع نسبيًا لتحقيق ذلك. ونظرًا لأن كل دورة نوم تستغرق 90 دقيقة تقريبًا، فإن غالبية البالغين يحتاجون إلى سبع أو ثماني ساعات من النوم غير المنقطع نسبيًا لتحقيق النوم التصالحي،
ومع ذلك، يمكن للأشخاص الذين يعانون من توقف التنفس أثناء النوم أن يستيقظوا عشرات المرات جزئيًا خلال الليل أثناء الشخير أو اللهاث من أجل التنفس. ويسبب الانقطاع المستمر، إلى صعوبة الحصول على قسط كافٍ من النوم العميق والانتقال إلى المرحلة النهائية، التي تُسمى حركة العين السريعة أو نوم الريم، حيث تحدث الأحلام.
وأظهرت الدراسات أن فقدان نوم حركة العين السريعة، قد يؤدي إلى عجز في الذاكرة، وضعف النتائج المعرفية، بالإضافة إلى أمراض القلب والأمراض المزمنة الأخرى، والموت المبكر.